تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

الآية 43 وقوله تعالى : { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } فإن قيل : ذكر أنه لا يعقلها إلا العالمون ، والعقل يسبق العلم بالشيء ، إذ بالعقل يعلم ما يعلم ، فكيف ذكر أنه لا يعقل إلا العالمون ، ولم يقل : وما يعلمها إلا العاقلون ؟ فهو ، والله أعلم ، لوجوه :

أحدها : أن الأمثال إنما تضرب لتقريب ما يبعد عن الأوهام ولكشف ما استتر من الأشياء على الإفهام ، وتجليها عما خفيت . فلا يعقل الأمثال إنها لماذا ضربت إلا العالم .

والثاني : أن العقول تعرف أسباب الأشياء ودلائلها . أما أن تعرف حقائق الأشياء وأنفسها فلا . من نحو المسالك والطرق إلى البلد( {[15791]} ) تعرف مسالكها وطرقها التي بها يوصل إليها . فأما أعيانها( {[15792]} ) فلا . وكذا المراقي التي بها تعلو ، وترتفع . فإما عين العلو فلا .

وأما العلم فإنه يوصل إلى معرفة حقائق الأشياء وأنفسها وصورها . لذلك كان ما ذكر .

والثالث : أن يكون قوله : { وما يعقلها إلا العالمون } أي وما ينتفع بما ذكر إلا العالمون ، وهو كما قال : { صم بكم عمي } [ البقرة : 18 و171 ] نفى عنهم هذه الحواس ، وإن كانت لهم أنفس تلك الحواس ، لما لم يستعملوها في ما جعلت ، وأنشئت ، ولم ينتفعوا بها ، فنفى عنهم تلك .

فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { وما يعقلها إلا العالمون } أي ما ينتفع بما يعقل إلا العالم . فأما من لم ينتفع فلا يعقل ، والله أعلم .


[15791]:أدرج بعدها في الأصل وم: أن
[15792]:في الأصل وم: أعينها.