اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

قوله : { وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } يجوز أن يكون{[41515]} «نضربها » خبر «تلك الأمثال » و «الأمثال » نعت أو بدل ، أو عطف بيان ، وأن يكون «الأمثال » خبراً ، و «نضربها » حال ، وأن يكون خبراً ثانياً{[41516]} .

فصل :

وتلك الأمثال : الأشباه ، والمَثَل : كلام سائغ{[41517]} يتضمن تشبيه الآخر بالأول ، يريد أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار{[41518]} هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة «نضربها » تَنْبِيهاً للناس ، قال مقاتل{[41519]} : لكفار مكة { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون } أي ما يعقل الأمْثَالَ إلا العلماءُ الذين يعقلون عن الله . روى جابر{[41520]} أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } قال : «العالم{[41521]} من عقل عن الله فعمل بطاعته ، واجتنب سَخَطَهُ » .

فصل :

روي أن الكفار قالوا : كيف يضرب خالقُ الأرض والسموات الأمثال بالهوامُ والحشرات كالبعوض والذباب والعنكبوت ، فقيل : الأمثال نضربها للناس إذْ لم يَكونوا كالأنعام يحصل لكم منه إدراك ما يوجب نُفْرَتَكُمْ مما أنتم فيه لأن التشبيه يؤثر في النفس تأثيراً مثل تأثير الدليل{[41522]} ، فإذا قال الحكيم لمن يغتاب ( بالغيبة ){[41523]} كأنك تأكل لحم ميت لأنك{[41524]} وقعت في هذا الرجل الغائب وهو غائب لا يفهم ما تقول ولا يسمع حتى يجيبك كمن يقع في ميت يأكل كما ينفر{[41525]} إذا قال له : إنك توجب العقاب ويورث العتاب .


[41515]:انظر: التبيان 1033 والبيان 2/245.
[41516]:التبيان 1033 والدر المصون 4/307.
[41517]:في "ب" كلام سائر.
[41518]:في "ب" كفار بدون "أل" وهو الصواب.
[41519]:انظر: القرطبي 13/346.
[41520]:هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبو عبد الرحمن، أو أبو عبد الله، أو أبو محمد المدني صحابي، مشهور، له ألف وخمسمائة حديث وأربعون حديثاً. عنه بنوه وطاوس والشعبي وعطاء وخلف مات سنة 78، انظر: خلاصة الكمال 59.
[41521]:انظر: تفسير الزمخشري 3/207، والقرطبي 13/346.
[41522]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/69.
[41523]:ساقط من "ب".
[41524]:في "ب" فإنك.
[41525]:العبارة في تفسير الفخر الرازي...ولا يسمع حتى يجيب كمن يقع في ميت يأكل منه وهو يعلم ما يفعله ولا يقدر على دفعه إن كان يعلمه فينفر طبعه منه كما ينفر إذ قال له إنه يوجب العذاب، ويورث العقاب.