معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (40)

ثم بين عجز الأصنام فقال : { ما تعبدون من دونه } ، أي : من دون الله ، وإنما ذكر بلفظ الجمع وقد ابتدأ بالخطاب للاثنين لأنه أراد جميع أهل السجن ، وكل من هو على مثل حالهما من أهل الشرك ، { إلا أسماءً سميتموها } ، آلهة وأربابا خالية عن المعنى لا حقيقة لتلك الأسماء ، { أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } ، حجة وبرهان ، { إن الحكم } ، ما القضاء والأمر والنهي ، { إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم } ، المستقيم ، { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (40)

ثم بين لهما أنَّ التي يعبدونها ويسمّونها آلهة ، إنما هو جَهْلُ{[15181]} منهم ، وتسمية من تلقاء أنفسهم ، تلقاها خَلَفهم عن سَلَفهم ، وليس لذلك مستند من عند الله ؛ ولهذا قال : { مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } أي : حجة ولا برهان .

ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كلَّه لله ، وقد أمر عباده قاطبة ألا يعبدوا إلا إياه ، ثم قال : ذلك الدين القيم أي : هذا الذي أدعوكم إليه من تَوحيد الله ، وإخلاص العمل له ، هو الدين المستقيم ، الذي أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } أي : فلهذا كان أكثرهم مشركين . { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] .

40


[15181]:- في ت ، أ : "جعل".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (40)

وقوله : { إلا أسماء } ذهب بعض المتكلمين إلى أنه أوقع في هذه الآية الأسماء على المسميات وعبر عنها بها إذ هي ذوات أسماء .

قال القاضي أبو محمد : والاسم الذي هو ألف وسين وميم - قد يجري في اللغة مجرى النفس والذات والعين ، فإن حملت الآية على ذلك صح المعنى ، وليس الاسم - على هذا - بمنزلة التسمية التي هي رجل وحجر ، وإن أريد بهذه الأسماء التي في الآية أسماء الأصنام التي هي بمنزلة اللات والعزى ونحو ذلك من تسميتها آلهة ، فيحتمل أن يريد : إلا ذوات أسماء ، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ؛ ويحتمل - وهو الراجح المختار إن شاء الله - أن يريد : ما تعبدون من دونه ألوهية ولا لكم تعلق بإله إلا بحسب أن سميتم أصنامكم آلهة ، فليست عبادتكم لإله إلا باسم فقط لا بالحقيقة ، وأما الحقيقة فهي وسائر الحجارة والخشب سواء ، فإنما تعلقت عبادتكم بحسب الاسم الذي وضعتم ، فذلك هو معبودكم إذا حصل أمركم ؛ فعبر عن هذا المعنى باللفظ المسرود في الآية ، ومن هذه الآية وهم من قال - في قولنا : رجل وحجر - إن الاسم هو المسمى في كل حال ، وقد بانت هذه المسألة في صدر التعليق .

ومفعول «سميتم » الثاني محذوف ، تقديره : آلهة ، هذا على أن { الأسماء } يراد بها ذوات الأصنام ، وأما على المعنى المختار - من أن عبادتهم إنما هي لمعان تعطيها الأسماء وليست موجودة في الأصنام - فقوله { سميتموها } بمنزلة وضعتموها ، فالضمير للتسميات ، ووكد الضمير ليعطف عليه .

وال { سلطان } الحجة ، وقوله : { إن الحكم إلا الله } أي ليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء ، أي فما بالها إذن ؟ ويحتمل أن يريد الرد على حكمهم في نصبهم آلهة دون الله تعالى وليس لهم تعدي أمر الله في أن لا يعبد غيره ، و { القيم } معناه : المستقيم .

و { أكثر الناس لا يعلمون } لجهالتهم وغلبة الكفر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (40)

بعد أن أثار لهما الشك في صحة إلهيّة آلهتهم المتعددين انتقل إلى إبطال وجود تلك الآلهة على الحقيقة بقوله : { ما تَعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } ، يعني أن تلك الآلهة لا تحقق لحقائقها في الوجود الخارجي بل هي توهّمات تخيّلوها .

ومعنى قصرها على أنها أسماء قصراً إضافياً ، أنها أسماء لا مسمياتتٍ لها فليس لها في الوجود إلا أسماؤها .

وقوله : { أنتم وآباؤكم } جملة مفسرة للضمير المرفوع في { سميتموها } . والمقصود من ذلك الردّ على آبائهم سدّاً لمنافذ الاحتجاج لأحقيتها بأن تلك الآلهة معبودات آبائهم ، وإدماجاً لتلقين المعذرة لهما ليسهل لهما الإقلاع عن عبادة آلهة متعددة .

وإنزال السلطان : كناية عن إيجاد دليل إلهيتها في شواهد العالم . والسلطانُ : الحجة .

وجملة { إن الحكم إلا لله } إبطال لجميع التصرفات المزعومة لآلهتهم بأنها لا حكم لها فيما زعموا أنه من حكمها وتصرفها .

وجملة { أمَرَ أن لا تعبدوا إلا إياه } انتقال من أدلة إثبات انفراد الله تعالى بالإلهية إلى التعليم بامتثال أمره ونهيه ، لأن ذلك نتيجة إثبات الإلهية والوحدانية له ، فهي بيان لجملة { إن الحكم إلا لله } من حيث ما فيها من معنى الحكم .

وجملة { ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } خلاصة لما تقدم من الاستدلال ، أي ذلك الدين لا غيرُه مما أنتم عليه وغيرُكم . وهو بمنزلة رد العجز على الصدر لقوله : { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } إلى { لا يشكرون } [ سورة يوسف : 38 ] .