معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (27)

قوله تعالى : { قال قرينه } يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر : { ربنا ما أطغيته } ما أضللته وما أغويته ، { ولكن كان في ضلال بعيد } عن الحق فيتبرأ عنه شيطانه ، قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل : ( قال قرينه ) يعني : الملك ، قال سعيد بن جبير : يقول الكافر : يا رب إن الملك زاد علي في الكتابة فيقول الملك ( ربنا ما أطغيته ) ، يعني ما زدت عليه وما كتبت إلا ما قال وعمل ، ( ولكن كان في ضلال بعيد ) ، طويل لا يرجع عنه إلى الحق .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (27)

{ قَالَ قَرِينُهُ } : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغيرهم : هو الشيطان الذي وكل به : { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } أي : يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافرًا ، يتبرأ منه شيطانه ، فيقول : { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } أي : ما أضللته ، { وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } أي : بل كان هو في نفسه ضالا قابلا للباطل معاندًا للحق . كما أخبر تعالى في الآية الأخرى في قوله : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ إبراهيم : 22 ] .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (27)

{ قال قرينه } أي الشيطان المقيض له ، وإنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه . { ربنا ما أطغيته } كأن الكافر قال هو أطغاني ف { قال قرينه ربنا ما أطغيته } بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول ، أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول ، أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه : { ولكن كان في ضلال بعيد } فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور كما قال الله تعالى : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (27)

حكاية قول القرين بالأسلوب المتبع في حكاية المُقاولات في القرآن وهو أسلوب الفصل دون عطف فعل القول على شيء ، وهو الأسلوب الذي ذكرناه في قوله تعالى : { قالوا أتجعلُ فيها من يُفسد فيها } الآية في سورة البقرة ( 30 ) ، تشعر بأن في المقام كلاماً مطوياً هو كلام صاحب القرين طوي للإيجاز ، ودليله ما تضمنه قول القرين من نفي أن يكون هو أطغى صاحبه إذ قال ربَّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد } . وقد حكي ذلك في سورة ص صريحاً بقوله : { هذا فوج مقتحم معكم لاَ مَرْحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قَدّم لنا هذا فزِده عذاباً ضعفاً في النار } [ ص : 59 61 ] . وتقدير المطوي هنا : أن الكَفَّار العَنيد لما قدم إلى النار أراد التنصل من كُفره وعناده وألقى تبعته على قرينه الذي كان يزيّن له الكفر فقال : هذا القرينُ أطغاني ، فقال قرينه { ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد } . فالقرين هذا هو القرين الذي تقدم ذكره في قوله : { وقال قرينه هذا ما لدي عتيد } [ ق : 23 ] .

والطغيان : تجاوز الحدّ في التعاظم والظلم والكفر ، وفعله يائي وواوي ، يقال : طَغِيَ يطغَى كرضِيَ ، وطغَا يطغُو كدعا . فمعنى { ما أطغيته } ما جعلته طاغياً ، أي ما أمرته بالطغيان ولا زينته له . والاستدراك ناشىء عن شدة المقارنة بينه وبين قرينه لا سيما إذا كان المراد بالقرين شيطانه المقيَّض له فإنه قرن به من وقت إدراكه ، فالاستدراك لدفع توهم أن المقارنة بينهما تقتضي أن يكون ما به من الطغيان بتلقين القرين فهو ينفي ذلك عن نفسه ، ولذلك أتبع الاستدراك بجملة { كان في ضلال بعيد } فأخبَر القرين بأن صاحبه ضالُّ من قبلُ فلم يكن اقترانه معه في التقييض أو في الصحبة بزائد إياه إضلالاً ، وهذا نظير ما حكاه الله عن الفريقين في قوله : { إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعُوا } [ البقرة : 166 ] . وفعل { كان } لإفادة أن الضلال ثابت له بالأصالة ملازم لتكوينه .

والبعيد : مستعار للبالغ في قوة النوع حدًّا لا يَبلغ إليه إدراك العاقِل بسهولة كما لا يبلغ سيرُ السائر إلى المكان البعيد إلا بمشقةٍ أو بعيد الزمان ، أي قديم أصيل فيكون تأكيدا لمفاد فعل { كان } ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً } في سورة النساء ( 116 ) . k

والمعنى : أنَّ تمكُّن الضلال منه يدل على أنه ليس فيه بتابع لما يمليه غيره عليه لأن شأن التابع في شيء أن لا يكون مكيناً فيه مثل علم المقلد وعلم النظَّار .