الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{۞قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (27)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قال قرينه} يعني صاحبه وهو شيطانه الذي كان يزين له الباطل والشر {ربنا ما أطغيته} فيما يعتذر إلى ربه يقول: لم يكن لي قوة أن أضله بغير سلطانك {ولكن كان في ضلال بعيد} يعني شيطانه ولكن كان في الدنيا..." في ضلال بعيد": في خسران طويل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الإنسان الكفّار المنّاع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلاً به في الدنيا...

وقوله:"رَبّنا ما أطْغَيْتُهُ "يقول: ما أنا جعلته طاغيا متعدّيا إلى ما ليس له، وإنما يعني بذلك الكفر بالله.

"وَلَكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ" يقول: ولكن كان في طريق جائر عن سبيل الهدى جورا بعيدا. وإنما أخبر تعالى ذكره هذا الخبر، عن قول قرين الكافر له يوم القيامة، إعلاما منه عباده، تبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قرينه} أي رفيقُه الذي كان معه، يتبعُه، ويُصدر عن رأيه. ثم هذا القول من قرينه إنما كان بعد أن كان منه من الكفر والشّرك عن اختيار، وقال: هذا الذي أضلّني، وأطغاني، وهو الذي حملني عليه...

وقوله تعالى: {ربنا ما أطغيُته} أي ما قهرته على الضلال، ولا لي قوة ذلك، ولكن اتّبعني على ما كنت أنا فيه، وأطاعني من غير أن يكون مني إكراه وإجبار على ذلك، وهو ما ذكر: {ولكن كان في ضلال بعيد} لا يُرجى منه الرجوع ولا الانقطاع...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى؟ قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون.

فإن قلت: فأين التقاول هاهنا؟ قلت: لما قال قرينه: {هذا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} وتبعه قوله: {قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} وتلاه: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} [ق: 28]: علم أنّ ثم مقاولة من الكافر، لكنها طرحت لما يدل عليها، كأنه قال: رب هو أطغاني، فقال قرينه: ربنا ما أطغيته.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وربما كان القرين هنا غير القرين الأول الذي قدم السجلات. ربما كان هو الشيطان الموكل به ليغويه. وهو يتبرأ من إطغائه؛ ويقرر أنه وجده ضالا من عند نفسه، فاستمع لغوايته! وفي القرآن مشاهد مشابهة يتبرأ فيها القرين الشيطاني من القرين الإنساني على هذا النحو. على أن الفرض الأول غير مستبعد. فقد يكون القرين هو الملك صاحب السجل. ولكن هول الموقف يجعله يبادر إلى التبرؤ -وهو بريء- ليبين أنه مع صحبته لهذا الشقي -فإنه لم تكن له يد في أي مما كان منه. وتبرؤ البريء أدل على الهول المزلزل والكرب المخيف...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

حكاية قول القرين بالأسلوب المتبع في حكاية المُقاولات في القرآن وهو أسلوب الفصل دون عطف فعل القول على شيء، وهو الأسلوب الذي ذكرناه في قوله تعالى: {قالوا أتجعلُ فيها من يُفسد فيها} الآية في سورة البقرة (30)، تشعر بأن في المقام كلاماً مطوياً هو كلام صاحب القرين طوي للإيجاز، ودليله ما تضمنه قول القرين من نفي أن يكون هو أطغى صاحبه إذ قال ربَّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد}. وقد حكي ذلك في سورة ص صريحاً بقوله: {هذا فوج مقتحم معكم لاَ مَرْحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قَدّم لنا هذا فزِده عذاباً ضعفاً في النار} [ص: 59- 61]. وتقدير المطوي هنا: أن الكَفَّار العَنيد لما قدم إلى النار أراد التنصل من كُفره وعناده وألقى تبعته على قرينه الذي كان يزيّن له الكفر فقال: هذا القرينُ أطغاني، فقال قرينه {ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد}. فالقرين هذا هو القرين الذي تقدم ذكره في قوله: {وقال قرينه هذا ما لدي عتيد} [ق: 23].

والطغيان: تجاوز الحدّ في التعاظم والظلم والكفر... فمعنى {ما أطغيته} ما جعلته طاغياً، أي ما أمرته بالطغيان ولا زينته له. والاستدراك ناشئ عن شدة المقارنة بينه وبين قرينه لا سيما إذا كان المراد بالقرين شيطانه المقيَّض له فإنه قرن به من وقت إدراكه، فالاستدراك لدفع توهم أن المقارنة بينهما تقتضي أن يكون ما به من الطغيان بتلقين القرين فهو ينفي ذلك عن نفسه، ولذلك أتبع الاستدراك بجملة {كان في ضلال بعيد} فأخبَر القرين بأن صاحبه ضالُّ من قبلُ فلم يكن اقترانه معه في التقييض أو في الصحبة بزائد إياه إضلالاً، وهذا نظير ما حكاه الله عن الفريقين في قوله: {إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعُوا} [البقرة: 166]. وفعل {كان} لإفادة أن الضلال ثابت له بالأصالة ملازم لتكوينه.

والبعيد: مستعار للبالغ في قوة النوع حدًّا لا يَبلغ إليه إدراك العاقِل بسهولة كما لا يبلغ سيرُ السائر إلى المكان البعيد إلا بمشقةٍ أو بعيد الزمان، أي قديم أصيل فيكون تأكيدا لمفاد فعل {كان}، وقد تقدم عند قوله تعالى: {ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً} في سورة النساء (116 (

والمعنى: أنَّ تمكُّن الضلال منه يدل على أنه ليس فيه بتابع لما يمليه غيره عليه لأن شأن التابع في شيء أن لا يكون مكيناً فيه مثل علم المقلد وعلم النظَّار.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وفي بداية هذا الربع تحدث كتاب الله عن قرين للإنسان من نوع آخر، ألا وهو "قرين السوء " الذي يزين له الشر، ويوقعه في شباك الخبال والضلال، وقرين السوء الأكبر هو الشيطان الرجيم، ثم أولياؤه ومساعدوه الأقربون، المجندون تحت لوائه لإغواء الخلق، من الدعاة المفسدين، فهذا القرين الذي يكون من بين قرناء السوء مستشارا للإنسان، ومحلا لثقته طيلة حياته، هو نفسه الذي يتبرأ من ابن آدم يوم القيامة أمام الله، ملقيا على عاتقه وحده تبعة أعماله وتصرفاته، متهما إياه بأنه هو الذي اختار لنفسه بمحض إرادته الضلال على الهدى، والشر على الخير: {قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد27}...