تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (27)

الآية 27 وقوله تعالى : { قال قرينه ربنا ما أطغيتُه ولكن كان في ضلال بعيد } أي قال شيطانُه الذي أضلّه ، ودعاه إلى ما دعاه ، فصار قرينه في الآخرة لقوله تعالى : { ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نُقيّض له شيطانا فهو له قرين } [ الزخرف : 36 ] .

ويحتمل : { قرينه } أي رفيقُه الذي كان معه ، يتبعُه ، ويُصدر عن رأيه .

ثم هذا القول من قرينه إنما كان بعد أن كان منه من الكفر والشّرك عن اختيار ، وقال : هذا الذي أضلّني ، وأطغاني ، وهو الذي حملني عليه كقولهم : { هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابا ضِعفًا من النار } [ الأعراف : 38 ] يقول رفيقه : { ربنا ما أطغيتُه ولكن كان في ضلال بعيد } وكانت الكفرة لحيرتهم وقلة حيلتهم أحيانا يُنكرون الشرك كقولهم{[19791]} : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] وقوله تعالى : { يوم يبعثُهم الله جميعا فيحلِفون له كما يحلفون لكم ويحسَبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون }{[19792]} [ المجادة : 18 ] .

وأحيانا يقولون : { هؤلاء أضلّونا } [ الأعراف : 38 ] وأحيانا يلعن{[19793]} بعضهم بعضا .

وقوله تعالى : { ربنا ما أطغيُته } أي ما قهرته على الضلال ، ولا لي قوة ذلك ، ولكن اتّبعني على ما كنت أنا فيه ، وأطاعني من غير أن يكون مني إكراه وإجبار على ذلك ، وهو ما ذكر : { ولكن كان في ضلال بعيد } لا يُرجى [ منه ]{[19794]} الرجوع ولا الانقطاع .

وقال بعض أهل التأويل : إن ذلك الكافر يُكذّب الحَفَظة بأنهم كتبوا ما لم يعمل ، وهم كانوا يكذبون في ذلك اليوم لخزيتهم كقولهم : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] فيقول{[19795]} قرينُه ، وهو الذي يكتب أعماله : { ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد } .

لكن هذا فاسد ، وهذا القول من الشيطان ، لا من الملائكة الإطغاء والإغواء ؛ إذ هم لا يدّعون على الملائكة الإطغاء والإغواء . ألا ترى أنه { قال لا تختصِموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد } ؟ [ ق : 28 ] واختصامهم مع الشيطان كما أخبر عز وجل في غير آية{[19796]} من القرآن .

قال الله تعالى : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } { قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } { قالوا بل لم تكونوا مؤمنين } [ الصافات : 27 و28 و29 ] وقال{[19797]} تعالى : { وقال الشيطان لما قُضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق } إلى قوله : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتُكم فاستجبتم لي } الآية [ إبراهيم : 22 ] .

فهذه الخصومة بينهم وبين قرنائهم ، وهم الشياطين : { ومن يكُن الشيطان له قرينا فساء قرينًا } [ النساء : 38 ] والله أعلم .


[19791]:في الأصل وم: كقوله.
[19792]:أدرج بعدها في الأصل وم: ثم قال.
[19793]:هو قوله تعالى: {ويلعن بعضكم بعضا} [العنكبوت: 25].
[19794]:ساقطة من الأصل وم.
[19795]:في الأصل وم: فقال.
[19796]:في الأصل وم: آي.
[19797]:في الأصل وم: وقوله.