معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

قوله تعالى : { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } ، أي : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا في النسب لا في الدين ، { قال يا قوم اعبدوا الله } وحدوا الله عز وجل ، { ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض } ، ابتدأ خلقكم ، { من الأرض } ، وذلك أنهم من آدم عليه السلام وآدم خلق من الأرض ، { واستعمركم فيها } ، أي : جعلكم عمارها وسكانها ، قال الضحاك : أطال عمركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة ، وكذلك قوم عاد . قال مجاهد : أعمركم من عمري ، أي : جعلها لكم ما عشتم . وقال قتادة : أسكنكم فيها . { فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب } ، من المؤمنين ، { مجيب } لدعائهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

يقول تعالى : ولقد أرسلنا { إِلَى ثَمُودَ } وهم الذين كانوا يسكنون{[14707]} مدائن الحجر بين تبوك والمدينة ، وكانوا بعد عاد ، فبعث الله منهم{[14708]} { أَخَاهُمْ صَالِحًا } فأمرهم{[14709]} بعبادة الله وحده [ لا شريك له الخالق الرازق ]{[14710]} ؛ ولهذا قال : { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ } أي : ابتدأ خلقكم منها ، [ من الأرض التي ]{[14711]} خلق منها أباكم آدم ، { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي : جعلكم [ فيها ]{[14712]} عُمَّارا تعمرونها وتستغلونها ، لسالف ذنوبكم ، { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } فيما تستقبلونه ؛ { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } كما قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } الآية [ البقرة : 186 ] .


[14707]:- في ت : "يستكبرون".
[14708]:- في ت ، أ : "فيهم".
[14709]:- في أ : "فأمره".
[14710]:- زيادة من أ.
[14711]:- زيادة من ت ، أ.
[14712]:- زيادة من ت ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

{ والى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض } هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب . { واستعمركم فيها } عمركم فيها واستبقاكم من العمر ، أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها ، وقيل هو من العمرى بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم ، أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم . { فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب } قريب الرحمة . { مجيب } لداعيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

التقدير : وأرسلنا إلى ثمود وقد تقدم القول في مثل هذا وفي معنى الأخوة في قصة هود .

وقرأ الجمهور : «وإلى ثمودَ » بغير صرف ، وقرأ ابن وثاب والأعمش «وإلى ثمود » بالصرف حيث وقع ، فالأولى على إرادة القبيلة ، والثانية على إرادة الحي ، وفي هذه الألفاظ الدالة على الجموع ما يكثر فيه إرادة الحي كقريش وثقيف وما لا يقال فيه بنو فلان ؛ وفيها ما يكثر فيه إرادة القبيلة كتميم وتغلب ، ألا ترى أنهم يقولون تغلب ابنة وائل ، وقال الطرماح : [ الطويل ]

«إذا نهلت منه تميم وعلّت »{[6398]}*** وقال الآخر : [ المتقارب ]

«تميم ابن مر وأشياعها »*** وفيها ما يكثر فيه الوجهان كثمود وسبأ ، فالقراءتان هنا فصيحتان مستعملتان . وقرأت فرقة «غيرُه » برفع الراء ، وقرأ الكسائي : [ غيره ] بكسر الراء ، وقد تقدم آنفاً{[6399]} .

و { أنشأكم من الأرض } ، أي اخترعكم وأوجدكم ، وذلك باختراع آدم عليه السلام : فكأن إنشاء آدم إنشاء لبنيه . { واستعمركم } ، أي اتخذكم عماراً ، كما تقول : استكتب واستعمل . وذهب قوم إلى أنها من العمر أي عمركم{[6400]} ، وقد تقدم مثل قوله : { فاستغفروه ثم توبوا إليه } .

{ إن ربي قريب مجيب } ، أي إجابته وغفرانه قريب ممن آمن وأناب ، و { مجيب } ، معناه بشرط المشيئة والظاهر الذي حكاه جمهور المفسرين أن


[6398]:- هذا عجز بيت قاله الطرماح من قصيدة يهجو بها الفرزدق، والبيت بتمامه: فخرت بيوم لم يكن لك فخره إذا نهلت منه تميم وعلّت والنّهل: الشرب الأول، يقال: نهل نهلا ومنهلا، والعلل: الشرب الثاني، يقال: شرب عللا بعد نهل، والمعنى على الاستعارة، يريد أن (تميم) أخذت أول المجد وآخره في هذا اليوم الذي لم تنل أنت فيه شيئا ومع ذلك تفخر به.
[6399]:- خلاصة ما تقدم أن الرفع يكون على النعت أو البدل من موضع {من إله}، وأن الجرّ يكون حملا على لفظ (إله) وهو أيضا على النعت أو البدل. على أنه يجوز النصب على الاستثناء كما قال ابن عطية، ولكن لم يذكر أحد أنه قرئ بالنصب.
[6400]:- أي: أطال أعماركم، وهذا هو رأي الضحاك، وقال مجاهد: هي من "العُمرى" فيكون "استعمر" في معنى "أعمر"، والمعنى: أعمركم فيها دياركم ثم هو وارثها منكم، أي: جعلكم معمّرين دياركم فيها لأن من ورّث داره من بعده فإنه أعمره إيّاها، لأنه يسكنها عمره ثم يتركه لغيره. وللعلماء في معنى "العُمرى" آراء كثيرة، أشهرها أنها تمليك لمنافع الرّقبة حياة المعمر مدة عمره، فإن مات المعمر رجعت إلى الذي أعطاها.