تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

وقوله تعالى : ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ) هو ما ذكرنا ؛ أي أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا ، وقوله : ( أخاهم ) قد ذكرنا أيضا أن الأخوة تتجه إلى وجوه ثلاثة : أخوة في الدين وأخوة في الجنس وأخوة في النسب .

وقوله تعالى : ( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) إن الرسل جميعا ، صلوات الله عليهم ، أول ما دعوا قومهم إنما دعوا إلى توحيد الله ، وجعل العبادة له لأن غيرها[ في الأصل وم : غيره ] من العبادات إنما تقوم بالتوحيد ، وكان أول ما دعوا قومهم إليه لم يزل عادة الرسل ، وعلموهم[ في الأصل وم : وعلمهم ]الدعاء إلى توحيد الله والعبادة له .

وقوله تعالى : ( هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ ) قال بعض أهل التأويل : ( هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ ) يقول : هو خلقكم من آدم ، وخلق آدم من الأرض . لكنه أضاف خلق الخلائق إليها كما أضاف في قوله : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) الآية[ الأعراف : 189 ] أخبر أنه خلقنا من نفسه أي آدم ، وإن لم تكن أنفسنا فيه .

فعلى ذلك إضافته إيانا بالخلق من الأرض ، وإن لم يخلق أنفسنا منها ؛ أي خلق أصلنا ، وأنشأه من الأرض ، فأضاف إنشاءنا إلى ما أنشأ أصلنا .

ويشبه إن يكون قوله : ( أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ ) أي جعل نشْْء الخلائق كلهم ونماءهم وحياتهم ومعاشهم بالخارج من الأرض ؛ إذ به نشأتهم ونماؤهم وحياتهم وقوامهم منها .

وقوله تعالى : ( وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) قال بعضهم : أسكنكم فيها ، وقال بعضهم : استخلفكم فيها ، وقال غيرهم[ في الأصل وم : غيره ] : قوله ( وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) أي جعلكم عمار الأرض ؛ تعمرونها [ لمعادكم ومعاشكم ][ في الأصل وم : لمعادهم ومعاشهم ] جعل عمارة هذه الأرض إلى الخلق هم الذين يقومون بعمارتها وبنائها وأنواع الانتفاع بها ، ويرجع كله إلى واحد .

وقال بعضهم في قوله : ( واستعمركم فيها ) أي جعل عمركم طويلا .

وقوله تعالى : ( فاستغفروا ثم توبوا إليه ) هذا قد ذكرنا في ما تقدم في قصة نوح : أي كونوا بحال ، يغفر لكم هو كقوله : ( إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف )[ الأنفال : 38 ] كأنه قال : فإن انتهوا عن الكفر يغفر لهم[ في الأصل وم : لكم ] .

وقوله تعالى : ( إن ربي قريب مجيب ) لحفظ الخلائق ، أو قريب لمن أنعم عليهم وأمثالهم[ في الأصل وم : وأمثاله ] ، أو قريب إلى كل من يفزع إليه ، مجيب لدعاء كل داع ، استجاب له كقوله : ( وإذا سألك عبادي عني فإني ) الآية[ البقرة : 186 ] وكقوله : ( وأوفوا بعهدي )الآية[ البقرة : 40 ] .