اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

قوله تعالى : { وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } القصة .

الكلامُ على أوَّلها كالذي قبلها . والعامَّةُ على منع " ثمُود " الصَّرْف هنا لعلَّتين : وهما العلمية والتَّأنيث ، ذهبُوا به مذهب القبيلة ، والأعمش ويحيى{[18846]} بن وثاب صَرَفاه ، ذهبا به مذهب الحي ، وسيأتي بيان الخلافِ إن شاءَ الله تعالى .

قوله : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض } يجُوزُ أن تكون " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ ، أي ابتداء إنشائكم منها إمَّا إنشاءُ أصلكم ، وهو آدم - صلوات الله وسلامه عليه - .

قال ابنُ الخطيب{[18847]} : " وفيه وجهٌ آخر وهو أقربُ منه ؛ وذلك لأنَّ الإنسان مخلوقٌ من المنيّ ومن دم الطمث ، والمنيُّ إنما تولد من الدَّم ، فالإنسان مخلوق من الدَّم ، والدَّم إنما تولد من الأغذية ، والأغذيةُ إما حيوانية وإما نباتية ، والحيوانات حالها كحال الإنسان ؛ فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات أنما تولد من الأرض ؛ فثبت أنه تعالى أنشأنا من الأرض " .

أو لأن كل واحد خلق من تربته ؛ أو لأن عذائهم وسبب حياتهم من الأرض .

وقيل : " من " بمعنى " في " ولا حاجة إليه .

قوله : { واستعمركم فِيهَا } أي جعلكم عمَّارها وسكانها . قال الضحاكُ : " أطَالَ أعماركم فيها " {[18848]} . وقال مجاهدٌ : أعمركم من العمرى{[18849]} . أي جعلها لكم ما عِشْتُمْ . وقال قتادةُ - رضي الله عنه - : " اسكنكم فيها " {[18850]} . قال ابنُ العربي : " قال بعضُ علمائنا : الاستعمارُ : طلبُ العمارة ، والطلب المعلق من الله - تعالى - على الوجوب ، قال القاضي أبو بكرٍ : تأتي كلمة استفعل في لسانِ العربِ على معانٍ منها : استفعل بمعنى : طلبُ الفعل كقوله : اسْتَحْمَلْتُه أي : طلبت من حملاناً ، وبمعنى اعتقد ؛ كقوله : استسهلت هذا الأمر اعتقدته سهلاً ، أو وجدتُه سهلاً ، واستعظمتهُ أي : وجدته عظيماً ، وبمعنى أصبت كقوله : استجدته أي : أصبته جيداً ، وبمعنى " فَعَلَ " ؛ كقوله : قرَّ في المكانِ ، واستقر ، قالوا وقوله : [ { يَسْتَهْزِءُونَ } [ الأنعام : 5 ] و{ يَسْتَسْخِرُونَ } [ الصافات : 14 ] منه ، فقوله تعالى : { واستعمركم فِيهَا } أي : خلقكم لعمارتها ، لا على معنى : استجدته واستسهلته ، أي : أصبته جيداً ، وسهلاً ، وهذا يستحيل ]{[18851]} في حقِّ الخالق ، فيرجع إلى أنَّه خلق لأنه الفائدة ؛ وقد يعبّر عن الشيء بفائدته مجازاً ، ولا يصحّ أن يقال إنه طلبٌ من الله لعمارتها ، فإن هذا لا يجوز في حقه " ويصحُّ أن يقال : استدعى عمارتها ، وفي الآية دليل على الإسكان والعُمْرَى .

ثم قال : { فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ } وقد تقدَّم تفسيره . { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } أي : أقربُ بالعلم والسمعِ " مجيب " دعاء المحتاجين بفضله ، ورحمته .


[18846]:ينظر: المحرر الوجيز 3/183 والبحر المحيط 5/239 والدر المصون 4/109.
[18847]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 17/14-15.
[18848]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/390).
[18849]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/62) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/611) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
[18850]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/390).
[18851]:سقط في أ.