السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

القصة الثالثة : التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة صالح عليه السلام المذكورة في قوله تعالى : { وإلى ثمود } وهم سكان الحجر ، أي : وأرسلنا إلى ثمود { أخاهم } فهو معطوف على قوله تعالى : { نوحاً } كما عطف عليه { وإلى عاد } وقوله تعالى : { صالحاً } عطف بيان ، وتلك الأخوة كانت في النسب لا في الدين ، كما مرّ في هود ، ثم أخرج قوله عليه السلام على تقدير سؤال بقوله : { قال يا قوم } ، أي : يا من يعز عليّ أن يحصل لهم سوء { اعبدوا الله } ، أي : وحدوه وخصوه بالعبادة { ما لكم من إله غيره } هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام ، ثم ذكر الدلائل الدالة على وحدانيته تعالى بقوله : { هو أنشاكم } ، أي : ابتدأ خلقكم { من الأرض } وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض ، أو أنّ الإنسان مخلوق من المني وهو متولد من الدم والدم متولد من الأغذية وهي إمّا حيوانية وإمّا نباتية ، فأمّا الحيوانية فحالها كحال الإنسان فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات متولد من الأرض ، فثبت أنه تعالى أنشأ الإنسان من الأرض . وقيل : من بمعنى في كما في قوله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } [ الجمعة ، 9 ] . { واستعمركم فيها } ، أي : جعلكم عمارها وسكانها ، وقال الضحاك : أطال أعماركم فيها حتى أنّ الواحد منهم كان يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذا كان قوم عاد ، وروي أنّ ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وحصلت لهم الأعمار الطويلة ، فسأل نبيّ من أنبياء زمانهم ربه ما سبب تلك الأعمار فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي ، وأخذ معاوية في إحياء الأرض في آخرة عمره فقيل له ذلك فقال : ما حملني عليه إلا قول القائل :

ليس الفتى بفتى لا يستضاء به *** ولا يكون له في الأرض آثار

وقال مجاهد : استعمركم من العمرى ، أي : جعلها لكم ما عشتم فإذا متم انتقلت إلى غيركم .

ولما بيّن لهم عليه السلام عظمة الله تعالى بين لهم طريق الرجوع إليه بقوله : { فاستغفروه } ، أي : آمنوا به { ثم توبوا إليه } من عبادة غيره ؛ لأنّ التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان وقد مرّ مثل ذلك { إنّ ربي قريب } من خلقه بعلمه لكل من أقبل عليه من غير حاجة إلى حركة { مجيب } لكل من ناداه لا كمعبوداتكم في الأمرين . ولما قرّر لهم عليه السلام هذه الدلائل .