الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

{ هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض } لم ينشئكم منها إلا هو ، ولم يستعمركم فيها غيره . وإنشاؤهم منها خلق آدم من التراب { واستعمركم فِيهَا } وأمركم بالعمارة ، والعمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه ، وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار ، وعمروا الأعمار الطوال ، مع ما كان فيهم من عسف الرعايا ، فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم ، فأوحى إليه : إنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي . وعن معاوية بن أبي سفيان أنه أخذ في إحياء الأرض في آخر أمره ، فقيل له ، فقال : ما حملني عليه إلا قول القائل :

لَيْسَ الفَتَى بِفتَي لاَيسْتَضَاءُ بِه *** وَلاَ تَكُونُ لَهُ في الأَرْضِ آثَارُ

وقيل : استعمركم من العمر ، نحو استبقاكم من البقاء ، وقد جعل من العمرى . وفيه وجهان ، أحدهما : أن يكون استعمر في معنى أعمر ، كقولك استهلكه في معنى أهلكه . ومعناه : أعمركم فيها دياركم ، ثم هو وارثها منكم عند انقضاء أعماركم . والثاني أن يكون بمعنى جعلكم معمرين دياركم فيها ، لأنّ الرجل إذا ورّث داره من بعده فكأنما أعمره إياها ، لأنه يسكنها عمره ثم يتركها لغيره { قَرِيبٌ } داني الرحمة سهل المطلب { مُّجِيبٌ } لمن دعاه وسأله .