قوله تعالى : { وحور عين } قرأ أبو جعفر ، وحمزة والكسائي : بكسر الراء والنون ، أي : وبحور عين ، أتبعه قوله : { بأكواب وأباريق } { وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير } في الإعراب وإن اختلفا في المعنى ، لأن الحور لا يطاف بهن ، كقول الشاعر :
إذا ما الغانيات برزن يوماً*** وزججن الحواجب والعيونا
والعين لا تزجج وإنما تكحل ، ومثله كثير . وقيل : معناه ويكرمون بفاكهة ولحم طير وحور عين . وقرأ الباقون بالرفع ، أي : ويطوف عليهم حور علين . وقال الأخفش رفع على معنى لهم حور عين ، وجاء في تفسيره : حور عين بيض ضخام العيون .
وقوله : { وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } قرأ بعضهم بالرفع ، وتقديره : ولهم فيها حور عين . وقراءة الجر تحتمل معنيين ، أحدهما : أن يكون الإعراب على الإتباع بما قبله ؛ لقوله : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ . بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ . لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ . وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ . وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ . وَحُورٌ عِينٌ } ، كَمَا قَالَ { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } [ المائدة : 6 ] ، وكما قال : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } [ الإنسان : 21 ] . والاحتمال الثاني : أن يكون مما يطوف به الولدان المخلدون عليهم الحور العين ، ولكن يكون ذلك في القصور ، لا بين بعضهم بعضا ، بل في الخيام يطوف عليهم الخدام بالحور العين ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } .
اختلفت القرّاء في قراءة قوله : وحُورٌ عِينٌ فقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض المدنيين «وحُورٍ عِينٍ » بالخفض إتباعا لإعرابها إعراب ما قبلها من الفاكهة واللحم ، وإن كان ذلك مما لا يُطاف به ، ولكن لما كان معروفا معناه المراد أتبع الاَخر الأوّل في الإعراب ، كما قال بعض الشعراء :
إذَا ما الغانِياتُ بَرَزْنَ يَوْما *** وَزَجّجْن الْحَوَاجِبَ والعُيُونا
فالعيون تكَحّل ، ولا تزجّج إلا الحواجب ، فردّها في الإعراب على الحواجب ، لمعرفة السامع معنى ذلك وكما قال الاَخر :
تَسْمَعُ للأَحْشاءِ مِنْهُ لَغَطَا *** وللْيَدَيْنِ جُسأَةً وَبَدَدَا
والجسأة : غلظ في اليد ، وهي لا تُسمع .
وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة ومكة والكوفة وبعض أهل البصرة بالرفع وحُورٌ عِينٌ على الابتداء ، وقالوا : الحور العين لا يُطاف بهنّ ، فيجوز العطف بهنّ في الإعراب على إعراب فاكهة ولحم ، ولكنه مرفوع بمعنى : وعندهم حور عين ، أو لهم حور عين .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرّاء مع تقارب معنييهما ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب . والحور جماعة حَوْراء : وهي النقية بياض العين ، الشديدة سوادها . والعين : جمع عيناء ، وهي النجلاء العين في حُسن .
وقرأ حمزة والكسائي والمفضل عن عاصم : «وحورٍ عينٍ » بالخفض ، وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن والأعمش وأبي القعقاع وعمرو بن عبيد . وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود : «وحوراً عيناً » بالنصب . وقرأ الباقون من السبعة : «وحورٌ عينٌ » بالرفع ، وكل هذه القراءات محمولة الإعراب على المعنى لا على اللفظ . كأن المعنى قبل ينعمون بهذا كله وب «حورٍ عينٍ » ، وهذا المعنى في قراءة النصب ويعطون هذا كله «وحوراً عيناً » ، وكان المعنى في الرفع : لهم هذا كله «وحورٌ عينٌ » ، ويجوز أن يعطف : { وحور } على الضمير في : { متكئين } . قال أبو علي : ولم يؤكد لكون الكلام بدلاً من التأكيد ، ويجوز أن يعطف على الولدان وإن كان طواف الحور يقلق ، ويجوز أن يعطف على الضمير المقدر في قوله : { على سرر } وفي هذا كله نظر ، وقد تقدم معنى : { حور عين } .
و { حور عين } عطف على { ولدان مخلدون } ، أي ويطوف عليهم حور عين .
والحور العين : النساء ذوات الحَوَر ، وتقدم في سورة الرحمن . وذوات العَين وهو سعة العين وتقدم في سورة الصافات .
وقرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر { وحورٍ عينٍ } بالكسر فيهما على أن { حور } عطف على { أكواب } عطفَ معنى من باب قوله :
بتقدير : وكَحَّلْن العيون ، أو يعطف على { جنات } ، أي وفي حور عين ، أي هم في حور عين أو محاطون بهن ومحدقون بهن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.