الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَحُورٌ عِينٞ} (22)

قوله : { وَحُورٌ } قرأ الأخَوان بجرِّ " حور عين " . والباقون برفعِهما . والنخعيُّ : " وحِيرٍ عين " بقلب الواو ياءً وجرِّهما ، وأُبَيٌّ وعبد الله " حُوْراً عيناً " بنصبهما . فأمَّا الجرُّ فمن أوجه ، أحدها : أنه عطفٌ على { جَنَّاتِ النَّعِيمِ } [ الواقعة : 12 ] كأنه قيل : هم في جنات وفاكهة ولحمٍ وحورٍ ، قاله الزمخشري . قال الشيخ : " وهذا فيه بُعْدٌ وتفكيكُ كلامٍ مرتبطٍ بعضُه ببعض ، وهو فُهْمُ أعجمي " . قلت : والذي ذهب إليه معنى حسنٌ جداً ، وهو على حَذْفِ مضافٍ أي : وفي مقاربة حور ، وهذا هو الذي عناه الزمخشري . وقد صرَّح غيرُه بتقدير هذا المضاف . الثاني : أنه معطوفٌ على " بأكواب " وذلك بتجوُّزٍ في قوله : " يطُوفُ " إذ معناه : يُنَعَّموْن فيها باكواب وبكذا وبُحور ، قاله الزمخشري . الثالث : أنه معطوفٌ عليه حقيقةً ، وأن الوِلْدانَ يَطُوفون عليهم بالحور أيضاً ، فإن فيه لذةً لهم ، طافُوا عليهم بالمأكولِ والمشروبِ والمُتَفَكَّهِ بعد المنكوحِ ، وإلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء وقطرب . ولا التفات إلى قولِ أبي البقاء : " عطفاً على أكواب في اللفظ دون المعنى ؛ لأنَّ الحوَر لا يُطاف بها " .

وأمَّا الرفعُ فمِنْ أوجهٍ أيضاً ، عطفاً على " ولْدانٌ " ، أي : إنَّ الحورَ يَطُفْنَ عليهم بذلك ، كما الوَلائدُ في الدنيا . وقال أبو البقاء : " أي : يَطُفْنَ عليهم للتنعُّمِ لا للخدمة " قلت :/ وهو للخدمةِ أبْلَغُ ؛ لأنهم إذا خدمهم مثلُ أولئك ، فما الظنُّ بالمَوْطوءات ؟ الثاني : أَنْ يُعطفَ على الضمير المستكنِّ في " مُتَّكِئين " وسَوَّغ ذلك الفصلُ بما بينهما . الثالث : أَنْ يُعْطفَ على مبتدأ وخبر حُذِفا معاً تقديرُه : لهم هذا كلُّه وحورٌ عين ، قاله الشيخ ، وفيه نظر ؛ لأنَّه إنما عُطِف على المبتدأ وحدَهُ ، وذلك الخبرُ له ولِما عُطِف هو عليه .

الرابع : أَنْ يكونَ مبتدأً ، خبرُه مضمرٌ تقديرُه : ولهم ، أو فيها ، أو ثَمَّ حورٌ . وقال الزمخشري " على وفيها حُوْرٌ كبيت الكتاب :

4211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** إلاَّ رَواكدَ جَمْرُهُنَّ هَباءُ

الخامس : أن يكونَ خبراً لمبتدأ مضمر ، أي : نساؤهم حورٌ ، قاله أبو البقاء . وأمَّا النصبُ ففيه وجهان ، أحدهما : أنه منصوبٌ بإضمارِ فِعْل ، أي : يَعْطَوْن ، أو يَرِثُون حُوْراً ، والثاني : أن يكونَ محمولاً على معنى : يَطوف عليهم ؛ لأن معناه يُعْطَوْن كذا وكذا فعطف عليه هذا . وقال مكي : " ويجوز النصبُ على أَنْ يُحْمَلَ أيضاً على المعنى ؛ لأنَّ معنى يَطوفُ وِلْدانٌ بكذا وكذا يُعْطَوْن كذا وكذا ، ثم عطف حوراً على معناه " فكأنه لم يَطَّلعْ عليها قراءةً .

وأمَّا قراءةُ " وحِيْرٍ " فلمجاورتها " عين " ولأنَّ الياءَ أخفُّ من الواو ، ونظيرهُ في التغيير للمجاورة : " أَخَذَه ما قَدُم وما حَدُث " بضم دال " حَدُث " لأجل " قَدُم " وإذا أُفْرِد منه فَتَحْتَ دالَه فقط ، وقوله عليه السلام :

" وربِّ السماوات ومَنْ أَظْلَلْنَ ورَبِّ الشياطين ومَنْ أَضْلَلْنَ " وقوله عليه السلام : " أيتكنَّ صاحبةُ الجمل الأَرْبَب تَنْبَحُها كلابُ الحَوْءَب " فَكَّ " الأَرْبَبَ " لأجل " الحَوْءَب " .

وقرأ قتادة " وحورُ عينٍ " بالرفع والإِضافة ل " عين " وابن مقسم بالنصب والإِضافةِ وقد تقدَّم توجيهُ الرفع والنصب . وأمَّا الإِضافةُ فمِنْ إضافة الموصوف لصفته مؤولاً . وقرأ عكرمةُ " وحَوْراءَ عَيْناءَ " بإفرادِهما على إرادةِ الجنس . وهذه القراءةُ تحتمل وجهَيْن : أحدهما : أَنْ تكونَ نصباً كقراءة أُبَيّ وعبد الله ، وأن تكونَ جرَّاً ، كقراءة الأخوَيْن ؛ لأن هذين الاسمَيْن لا ينصرفان فهما محتملان للوجَهْين . وتقدَّم الكلام في اشتقاق العِين .