معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَحُورٌ عِينٞ} (22)

وقوله : { وَحُورٍ عِينٍ } .

خفضها أصحاب عبد الله وهو وجه العربية ، وإن كان أكثر القراء على الرفع ؛ لأنهم هابوا أن يجعلوا الحور العين يطاف بهن ، فرفعوا على قولك : ولهم حور عين ، أو عندهم حور عين . والخفض على أن تتبع آخر الكلام بأوله ، وإن لم يحسن في آخره ما حسن في أوله ، أنشدني بعض العرب :

إذا ما الغانيات بَرَزْنَ يَوْماً *** وزَجّجن الحواجب والعيونا

بالعَين لا تزجج إنما تكحَّل ، فردَّها على الحواجب ؛ لأن المعنى يعرف ، وَأنشدني آخر :

ولقيتُ زوجك في الوغى *** متقلداً سيفاً ورمحا

والرمح لا يتقلد ، فردّه على السيف .

وقال آخر :

تسمع للأحشاء منه لغطاً *** ولليدين جُسْأَةً وبَدَدا

وأنشدني بعض بني دبير :

علفتها تِبنا وماءً بارداً *** حتى شَتَتْ همالةً عيناها

والماء لا يعتلف ؛ إنما يُشرب ، فجعله تابعاً للتبن ، وقد كان ينبغي لمن قرأ : وحورٌ عين لأنهن زعم لا يطاف بهن أن يقول : «وفاكهةٌ ولَحْم طير » ؛ لأن الفاكهة واللحم لا يطاف بهما ليس يطاف إلاَّ بالخمر وحدها ففي ذلك بيان ؛ لأن الخفض وجه الكلام . وفي قراءة أبي بن كعب : وحورا عيناً أراد الفعل الذي تجده في مثل هذا من الكلام كقول الشاعر :

جئني بمثل بني بَدْرٍ لقومهم *** أو مثلَ أسرة منظور بن سيار