اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَحُورٌ عِينٞ} (22)

قوله : { وَحُورٌ عِينٌ } .

قرأ الأخوان{[54795]} : بجرّ «حُورٍ عينٍ » .

والباقون : برفعهما .

والنخعي{[54796]} : «وحيرٍ عينٍ » بقلب الواو ياء وجرهما .

وأبيّ وعبد{[54797]} الله قال القرطبي والأشهب العقيلي وعيسى بن عمر الثقفي ، وهو كذلك في مصحف أبيّ : «وحُوراً عيناً » بنصبهما .

فأما الجر فمن أوجه{[54798]} :

أحدها : أنه عطف على «جنَّات النَّعيم » كأنه قيل : هم في جنات وفاكهة ولحم وحور ؛ قاله الزمخشري{[54799]} .

قال أبو حيان{[54800]} : «وهذا فيه بعد وتفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض ، وهو فهم{[54801]} أعجمي » .

قال شهاب الدين{[54802]} : «والذي ذهب إليه الزمخشري معنى حسن جدًّا ، وهو على حذف مضاف أي : وفي مقارنة حور ، وهو الذي عناه الزمخشري ، وقد صرح غيره بتقدير هذا المضاف » .

وقال الفرَّاء{[54803]} : الجر على الإتباع في اللفظ ، وإن اختلفا في المعنى ؛ لأن الحور لا يُطاف بهنّ .

قال الشاعر : [ الوافر ]

إذَا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْماً *** وزَجَّجْنَ الحَواجِبَ والعُيُونَا{[54804]}

والعين لا تُزَجَّجُ ، وإنَّما تُكَحَّل .

وقال آخر : [ مجزوء الكامل ]

ورَأيْتُ زَوْجَكِ في الوَغَى *** مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحَا{[54805]}

الثاني : أنه معطوف على «بِأكْوَابٍ » ، وذلك بتجوّز في قوله : «يَطُوفُ » ؛ إذ معناه ينعمون فيها بأكواب ، وبكذا ، وبحور . قاله الزمخشري .

الثالث : أنه معطوف عليه حقيقة ، وأن الولدان يطوفون عليهم بالحور أيضاً فإن فيه لذة لهم إذا طافوا عليهم بالمأكول ؛ والمشروب ، والمتفكه به ، والمنكوح ، وإلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء وقطرب .

ولا التفات إلى قول أبي البقاء : عطفاً على «أكْوَاب » في اللَّفظ دون المعنى ؛ لأن الحور لا يُطافُ بها .

وأما الرَّفْع فمن أوجه :

أحدها : عطفاً على «ولْدَان » .

أي : أن الحور يطفن عليهم بذلك كالولائد في الدُّنيا .

وقال أبو البقاء{[54806]} : «أي يَطُفْن عليهم للتَّنعيم لا للخِدْمَة » .

قال شهاب الدين{[54807]} : «وهو للخدمة أبلغ ؛ لأنهم إذا خدمهم مثل أولئك ، فما الظَّن بالمَوطُوءَات » .

الثاني : أن يعطف على الضمير المستكنّ في «متكئين » ، وسوغ ذلك الفصل بما بينهما .

الثالث : أن يعطف على مبتدأ وخبر حذفا معاً ، تقديره : «لهم هذا كله وحور عين » قاله أبو حيَّان{[54808]} .

وفيه نظر ؛ لأنه إنما يعطف على المبتدأ وحده ، وذلك الخبر له ، ولما عطف هو عليه .

الرابع : أن يكون مبتدأ خبره مضمر ، تقديره : ولهم ، أو فيها ، أو ثمَّ حور{[54809]} .

وقال الزمخشري{[54810]} : «عطف على وفيها حور عين ، كبيت الكتاب » .

يريد : كتاب سيبويه ، والمرادُ بالبيت قولهُ : [ الكامل ]

بَادَتْ وغَيَّرَ آيَهُنَّ مَعَ البِلَى *** إلاَّ رَواكِدَ جَمْرُهُنَّ هَبَاء

ومُشَجَّجٌ أمَّا سواءُ قَذالِهِ *** فَبَدا وغيَّر سارهُ المَعْزاءُ{[54811]}

عطف «مشجج » وهو مرفوع على «رواكد » ، وهو منصوب .

الخامس : أن يكون خبراً لمبتدأ مضمر ، أي : نساؤهم حور . قاله أبو البقاء{[54812]} .

قال الكسائي : ومن قال : «وحُورٌ عينٌ » بالرَّفع ، وعلل بأنه لا يطاف بهن يلزمه ذلك في «فَاكِهَةٍ ولحْمٍ » ؛ لأن ذلك لا يطاف به ، وليس يطاف إلاَّ بالخمر وحدها .

وأما النصب ففيه وجهان :

أحدهما : أنه منصوب بإضمار فعل ، أي : يعطون ، أو يؤتون حوراً .

والثاني : أن يكون محمولاً على معنى «يطُوفُ عَليْهِمْ » ؛ لأن معناه : يعطون كذا وكذا ، فعطف هذا عليه .

وقال مكي{[54813]} : «ويجوز النَّصب على أن يحمل أيضاً على المعنى ؛ لأن معنى «يطوف عليهم ولدان » بكذا وكذا ، أي : يعطون كذا وكذا ، ثم عطف «حوراً » على معناه » ، فكأنه لم يطلع [ على أنها ]{[54814]} قراءة .

وأمَّا قراءة : «وحِيرٍ » فلمُجاورتها «عِين » ، ولأن الياء أخف من الواو ، ونظيره في التَّعبير للمجاورة قولهم : «أخذه ما قدُم وما حدُث » - بضم دال - «حدُث » لأجل «قَدُم » ، وإذا أفرد منه فتحت داله فقط .

وقوله عليه الصلاة والسلام : «ورَبَّ السَّماواتِ وما أظْلَلْنَ ، وربَّ الشَّياطين ومنْ أضْلَلْن »{[54815]} .

[ وقوله : «أيَّتُكُنَّ صاحبةُ الجملِ الأدْبَبِ ، يَنْبَحُها كلاب الحوْأب »{[54816]} ، فكَّ الأدبب لأجل الحَوأبِ ] {[54817]} .

وقرأ قتادة{[54818]} : «وحورُ عِينٍ » بالرفع والإضافة ل «عين » .

وابن مقسم{[54819]} : بالنَّصب والإضافة .

وقد تقدم توجيه الرفع والنَّصْب .

وأما بالإضافة : فمن إضافة الموصوف لصفته مؤولاً{[54820]} .

وقرأ عكرمة{[54821]} : [ «وحَوْرَاء عَيْنَاء » بإفرادهما على إرادة الجنس ] {[54822]} .

وهذه القراءة تحتمل وجهين{[54823]} :

أحدهما : أن يكون نصباً كقراءة عبد الله وأبيٍّ .

وأن يكون جرًّا كقراءة الأخوين ؛ لأن هذين الاسمين لا يتصرَّفان ، فهما محتملان للوجهين .

وتقدم الكلام في اشتقاق العين .

«كأمْثَال » : صفة ، أو حال .

و«جزاءً » : مفعول من أجله ، أو مصدر ، أي : يحزون جزاء .

فصل في تفسير الآية

قال المفسرون : «حورٌ » بيض ، «عينٌ » ضخام الأعين .


[54795]:ينظر: السبعة 622، والحجة 6/255، وإعراب القراءات 2/342، وحجة القراءات 695، والعنوان 185، وشرح شعلة 596، وشرح الطيبة 6/35، وإتحاف 2/515.
[54796]:ينظر: البحر المحيط 8/206، والدر المصون 6/257.
[54797]:ينظر: معاني القرآن للفراء 3/124، وإعراب القرآن للنحاس 3/324، والمحتسب 2/309، وإعراب القراءات 2/342، والمحرر الوجيز 5/242، والبحر المحيط 8/206، والدر المصون 6/257.
[54798]:ينظر: الدر المصون 6/257.
[54799]:ينظر: الكشاف 4/460.
[54800]:البحر المحيط 8/206.
[54801]:في أ: كلام.
[54802]:الدر المصون 6/257.
[54803]:ينظر: معاني القرآن 5/111.
[54804]:تقدم.
[54805]:تقدم.
[54806]:الإملاء 1204.
[54807]:الدر المصون 6/257.
[54808]:البحر المحيط 8/206.
[54809]:ينظر: الدر المصون 6/257.
[54810]:الكشاف 4/460.
[54811]:نسب البيتان لذي الرمة، وللشماخ. ينظر ملحق ديوان ذي الرمة ص 1840، 1841، وملحقات ديوان الشماخ ص 427، 428، والكتاب 1/273، 174، وشرح أبيات سيبويه 1/396، والإيضاح الشعري لأبي علي الفارسي ص 578، وأساس البلاغة ص 229 (شجج)، وص 433 (معز) واللسان (شجج)، وتاج العروس 6/56 (شجج) وخزانة الأدب 5/147، والكشاف 4/54، والدر المصون 6/257.
[54812]:ينظر: الإملاء 2/1204.
[54813]:ينظر: المشكل 2/712.
[54814]:في ب: عليها.
[54815]:أخرجه الترمذي (5/503) كتاب الدعوات، باب: (91) حديث (3523) من حديث بريدة. وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بالقوي ويروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا من غير هذا الوجه.
[54816]:أخرجه البزار (3273 - كشف) من حديث ابن عباس والحديث ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/237) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، وينظر: النهاية في غريب الحديث 1/456، وغريب الحديث لابن الجوزي 1/250.
[54817]:سقط من ب.
[54818]:ينظر: البحر المحيط 8/206، والدر المصون 6/258.
[54819]:السابق.
[54820]:ينظر: الدر المصون 6/258.
[54821]:ينظر: البحر المحيط 8/206، والدر المصون 6/258.
[54822]:سقط من ب.
[54823]:الدر المصون 6/258.