معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

قوله :{ يا أيها الرسل } قال الحسن و مجاهد وقتادة والسدي والكلبي وجماعة : أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة . وقال بعضهم : أراد به عيسى . وقيل : أراد به جميع الرسل عليهم السلام { كلوا من الطيبات } أي الحلالات ، { واعملوا صالحاً } الصلاح هو الاستقامة على ما توجبه الشريعة . { إني بما تعملون عليم* }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

23

وعندما يصل إلى هذه الحلقة من سلسلة الرسالات ، يتوجه بالخطاب إلى أمة الرسل ؛ وكأنما هم متجمعون في صعيد واحد ، في وقت واحد ، فهذه الفوارق الزمانية والمكانية لا اعتبار لها أمام وحدة الحقيقة التي تربط بينهم جميعا :

( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا . إني بما تعملون عليم . وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) . .

إنه نداء للرسل ليمارسوا طبيعتهم البشرية التي ينكرها عليهم الغافلون : ( كلوا من الطيبات ) . . فالأكل من مقتضيات البشرية عامة ، أما الأكل من الطيبات خاصة فهو الذي يرفع هذه البشرية ويزكيها ويصلها بالملأ الأعلى .

ونداء لهم ليصلحوا في هذه الأرض : ( واعملوا صالحا ) . . فالعمل هو من مقتضيات البشرية كذلك . أما العمل الصالح فهو الذي يميز الصالحين المختارين ؛ فيجعل لعملهم ضابطا وهدفا ، وغاية موصولة بالملأ الأعلى .

وليس المطلوب من الرسول أن يتجرد من بشريته . إنما المطلوب أن يرتقي بهذه البشرية فيه إلى أفقها الكريم الوضيء . الذي أراده الله لها ، وجعل الأنبياء روادا لهذا الأفق ومثلا أعلى . والله هو الذي يقدر عملهم بعد ذلك بميزانه الدقيق : ( إني بما تعملون عليم ) .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

يتعيَّن تقدير قول محذوف اكتفاء بالمقول ، وهو استئناف ابتدائي ، أي قلنا : يا أيها الرسل كلوا . والمحكي هنا حكي بالمعنى لأن الخطاب المذكور هنا لم يكن موجهاً للرسل في وقت واحد بضرورة اختلاف عصورهم . فالتقدير : قلنا لكل رسول مِمَّنْ مضَى ذكرُهم كُلْ من الطيبات واعمل صالحاً إني بما تعمل عليم .

وذلك على طريقة التوزيع لمدلول الكلام وهي شائعة في خطاب الجماعات . ومنه : ركب القوم دوابَّهم .

والغرض من هذا بيان كرامة الرسل عند الله ونزاهتهم في أمورهم الجسمانيَّة والروحانيَّة ، فالأكل من الطيبات نزاهة جسميَّة والعمل الصالح نزاهة نفسانيَّة .

والمناسبة لهذا الاستئناف هي قوله : { وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين } [ المؤمنون : 50 ] وليحصل من ذلك الرد على اعتقاد الأقوام المعلّلين تكذيبهم رسلهم بعلة أنهم يأكلون الطعام كما قال تعالى في الآية السابقة { ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } [ المؤمنون : 33 ] ، وقال : { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } [ الفرقان : 7 ] ، وليبطل بذلك ما ابتدعه النصارى من الرهبانيَّة . وهذه فوائد من الاستدلال والتعليم كان لها في هذا المكان الوقع العظيم .

والأمر في قوله : { كلوا } للإباحة ، وإن كان الأكل أمراً جبلِّياً للبشر إلا أن المراد به هنا لازمه وهو إعلام المكذبين بأن الأكل لا ينافي الرسالة وأن الذي أرسل الرسل أباح لهم الأكل .

وتعليق { من الطيبات } بكسب الإباحة المستفادة من الأمر شرط أن يكون المباح من الطيبات ، أي أن يكون المأكول طيّباً . ويزيد في الرد على المكذبين بأن الرسل إنما يجتنبون الخبائث ولا يجتنبون ما أحل الله لهم من الطيبات . والطيبات : ما ليس بحرام ولا مكروه .

وعطف العمل الصالح على الأمر بأكل الطيبات إيماء إلى أن همة الرسل إنما تنصرف إلى الأعمال الصالحة ، وهذا كقوله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طَعمُوا إذا ما اتَّقَوْا وآمنوا وعملوا الصّالحات } [ المائدة : 93 ] المراد به ما تناولوه من الخمر قبل تحريمها .

وقوله : { إني بما تعملون عليم } تحريض على الاستزادة من الأعمال الصالحة لأن ذلك يتضمن الوعد بالجزاء عنها وأنه لا يضيع منه شيء ، فالخبر مستعمل في التحريض .