فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا } قال الزجاج : هذه مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن جرير : إن الخطاب لعيسى . قال الفراء : هو كما تقول للرجل الواحد كفوا عنا ، وقيل إن هذه المقالة خوطب بها كل نبي في زمانه ، لأن هذه طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها ، فيكون المعنى : وقلنا يا أبها الرسل خطابا لكل واحد على انفراده لاختلاف أزمنتهم . ويدخل تحته عيسى دخولا أوليا ، فهذه حكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الإجمال لما خوطب به كل رسول في عصره جيء بها إثر حكاية إيواء عيسى وأمه ، إلى الربوة إيذانا بأن ترتيب مبادئ التنعم لم يكن من خصائصه عليه السلام

إباحة الطعام شرع قديم جرى عليه جميع الرسل ، ووصوا به ، أي وقلنا لكل رسول من الرسل كلوا { مِنَ الطَّيِّبَاتِ } وهو ما يستطاب ويستلذ وقيل هي الحلالات ، وقيل هي ما جمع الوصفين المذكورين . ثم بعد أن أمرهم بالأكل من الطيبات أمرهم بالعمل الصالح فقال :

{ وَاعْمَلُوا } عملا { صَالِحًا } وهو ما كان موافقا للشرع ، فعبر عن تلك الأوامر المتعددة المتعلقة بالرسل بصيغة الجمع عند الحكاية إجمالا للإيجاز ، وفيه من الدلالة على بطلان ما عليه الرهبان من رفض الطيبات ما لا يخفى ، ثم علل هذا الأمر بقوله :

{ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } لا يخفى علي شيء منه وإني مجازيكم على حسب أعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وهو تخويف للرسل ، والمقصود أممهم . أخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : يا أيها الرسل كلوا " الآية . وقال : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، ومطمعه حرام ومشربه حرام ، وملبسه حرام وغذي بالحرام ، يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، فأنى يستجاب لذلك{[1260]} وعن حفص الفزاري قال ذلك عيسى ابن مريم ، كان يأكل من غزل أمه وهو مرسل لأن حفصا تابعي .


[1260]:مسلم 1015.