معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (48)

قوله تعالى : { لقد ابتغوا الفتنة من قبل } ، أي : طلبوا صد أصحابك عن الدين وردهم إلى الكفر ، وتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم ، كفعل عبد الله بن أبي يوم أحد حين انصرف عنك بأصحابه .

قوله تعالى : { وقلبوا لك الأمور } وأجالوا فيك وفى إبطال دينك الرأي ، بالتخذيل عنك وتشتيت أمرك ، { حتى جاء الحق } ، النصر والظفر ، { وظهر أمر الله } ، دين الله ، { وهم كارهون } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (48)

42

وإن ماضيهم ليشهد بدخل نفوسهم ، وسوء طويتهم ، فلقد وقفوا في وجه الرسول - [ ص ] - وبذلوا ما في طوقهم ، حتى غلبوا على أمرهم فاستسلموا وفي القلب ما فيه :

( لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر اللّه وهم كارهون )

وكان ذلك عند مقدم الرسول - [ ص ] - إلى المدينة ، قبل أن يظهره اللّه على أعدائه . ثم جاء الحق وانتصرت كلمة اللّه فحنوا لها رؤوسهم وهم كارهون ، وظلوا يتربصون الدوائر بالإسلام والمسلمين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (48)

الجملة تعليل لقوله : { يبغونكم الفتنة } [ التوبة : 47 ] لأنّها دليل بأنّ ذلك ديدن لهم من قبل ، إذ ابتغوا الفتنة للمسلمين وذلك يومَ أحد إذ انخزل عبد الله بن أبي ابنُ سلول ومن معه من المنافقين بعد أن وصلوا إلى أحد ، وكانوا ثُلث الجيش قصدوا إلقاء الخوف في نفوس المسلمين حين يرون انخزال بعض جيشهم وقال ابن جريج : الذين ابتغوا الفتنة اثنا عشر رجلاً من المنافقين ، وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتِكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم .

و { قلّبوا } بتشديد اللام مضاعف قلب المخفف ، والمضاعفة للدلالة على قوة الفعل . فيجوز أن يكون من قلَب الشيء إذا تأمل باطنه وظاهره ليطّلع على دقائق صفاته فتكون المبالغة راجعة إلى الكمّ أي كثرة التقليب ، أي ترددوا آراءهم وأعملوا المكائد والحيل للإضرار بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين .

ويجوز أن يكون { قلبوا } من قلب بمعنى فتّش وبحث ، استعير التقليب للبحث والتفتيش لمشابهة التفتيش للتقليب في الإحاطة بحال الشيء كقوله تعالى : { فأصبح يقلب كفيه } [ الكهف : 42 ] فيكون المعنى ، أنّهم بحثوا وتجسَّسوا للاطّلاع على شأن المسلمين وإخبار العدوّ به .

واللام في قوله : { لك } على هذين الوجهين لام العلّة ، أي لأجلك وهو مجمل يبيّنهُ قوله : { لقد ابتغوا الفتنة من قبل } [ التوبة : 48 ] . فالمعنى اتّبعوا فتنة تظهر منك ، أي في أحوالك وفي أحوال المسلمين .

ويجوز أن يكون { قلبوا } مبالغة في قَلَب الأمر إذا أخفى ما كان ظاهراً منه وأبدَى ما كان خفيّاً ، كقولهم : قَلب له ظهر المِجَن . وتعديته باللام في قوله { لك } ظاهرة .

و { الأمور } جمع أمر ، وهو اسم مبهم مثل شيء كما في قول الموصلي :

ولكن مقاديرٌ جرتْ وأمور

والألف واللام فيه للجنس ، أي أموراً تعرفون بعضها ولا تعرفون بعضاً .

و { حتى } غاية لتقليبهم الأمور .

ومجِيء الحقّ حصوله واستقراره والمراد بذلك زوال ضعف المسلمين وانكشاف أمر المنافقين .

والمراد بظهور أمر الله نصر المسلمين بفتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجاً وذلك يكرهه المنافقون .

الظهور والغلبة والنصر .

و { أمر الله } دينه ، أي فلمّا جاء الحقّ وظهر أمر الله علموا أنّ فتنتهم لا تضرّ المسلمين ، فلذلك لم يروا فائدة في الخروج معهم إلى غزوة تبوك فاعتذروا عن الخروج من أول الأمر .