البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَقَدِ ٱبۡتَغَوُاْ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (48)

{ لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون } تقدّم ذكر السبب في نزول هذه الآية والتي قبلها من قصة رجوع عبد الله بن أبي وأصحابه في هذه الغزاة ، حقّر شأنهم في هذه الآية ، وأخبر أنهم قديماً سعوا على الإسلام فأبطل الله سعيهم ، وفي الأمور المقلبة أقوال .

قال ابن عباس : بغوا لك الغوائل .

وقال ابن جريج : وقف اثنا عشر من المنافقين على التثنية ليلة العقبة كي يفتكوا به .

وقال أبو سليمان الدمشقي : احتالوا في تشتيت أمرك وإبطال دينك .

قال ابن جريج : كانصراف ابن أبيّ يوم أحد بأصحابه .

ومعنى من قبل أي : منن قبل هذه الغزاة ، وذلك ما كان من حالهم وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوعهم عنه في أحد وغيرها .

وتقليب الأمور : هو تدبيرها ظهر البطن ، والنظر في نواحيها وأقسامها ، والسعي بكل حيلة .

وقيل : طلب المكيدة من قولهم : هو حول قلب .

وقرأ مسلمة بن محارب : وقلبوا بتخفيف اللام .

حتى جاء الحق أي : القرآن وشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم .

ولفظة جاء مشعرة بأنه كان قد ذهب .

وظهر أمر الله وصفه بالظهور لأنه كان كالمستور أي : غلب وعلا دين الله .

وهم كارهون لمجيء الحق وظهور دين الله .

وفي ذلك تنبيه على أنه لا تأثير لمكرهم وكيدهم ، ومبالغتهم في إثارة الشر فإنهم مذ راموا ذلك رده الله في نحرهم ، وقلب مرادهم ، وأتى بضد مقصودهم ، فكما كان ذلك في الماضي كذا يكون في المستقبل .