{ فكذبوه } يعني صالحاً ، { فعقروها } يعني الناقة . { فدمدم عليهم ربهم } قال عطاء ومقاتل : فدمر عليهم ربهم فأهلكهم . قال المدرج : الدمدمة الهلاك باستئصال . { بذنبهم } بتكذيبهم الرسول وعقرهم الناقة ، { فسواها } الدمدمة عليهم جميعاً ، وعمهم بها فلم يفلت منهم أحد . وقال الفراء : سوى الأمة وأنزل العذاب بصغيرها وكبيرها ، يعني سوى بينهم .
فكذبوا النذير فعقروا الناقة . والذي عقرها هو هذا الأشقى . ولكنهم جميعا حملوا التبعة وعدوا أنهم عقروها ، لأنهم لم يضربوا على يده ، بل استحسنوا فعلته . وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في التكافل في التبعة الإجتماعية في الحياة الدنيا . لا يتعارض مع التبعة الفردية في الجزاء الأخروي حيث لا تزر وازرة وزر أخرى . على أنه من الوزر إهمال التناصح والتكافل والحض على البر والأخذ على يد البغي والشر .
عندئذ تتحرك يد القدرة لتبطش البطشة الكبرى : ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ) . .
والدمدمة الغضب وما يتبعه من تنكيل . واللفظ ذاته . . ( دمدم )يوحي بما وراءه ، ويصور معناه بجرسه ، ويكاد يرسم مشهدا مروعا مخيفا ! وقد سوى الله أرضهم عاليها بسافلها ، وهو المشهد الذي يرتسم بعد الدمار العنيف الشديد . .
وبهذا الاعتبار استقام التعبير عن مقابلة التحذير بالتكذيب مع أن التحذير إنشاء ، فالتكذيب إنما يتوجه إلى ما في التحذير من الإِنذار بالعذاب .
والعَقْر : جرح البعير في يديه ليبرك على الأرض من الألم فينحَر في لبته ، فالعقر كناية مشهورة عن النحر لتلازمهما .
{ فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } .
أي صاح عليهم ربهم صيحة غضب . والمراد بهذه الدمدمة صوت الصاعقة والرجفة التي أهلكوا بها قال تعالى : { فأخذتهم الصيحة } [ الحجر : 73 ] ، وإسناد ذلك إلى الله مجاز عقلي لأن الله هو خالق الصيحة وكيفياتها .
فوزن دَمْدَم فَعْلَل ، وقال أكثر المفسرين : دمدم عليهم أطبق عليهم الأرض ، يقال : دَمَّمَ عليه القبر ، إذا أطبقه ودَمْدَم مكرر دَمَّم للمبالغة مثل كَبْكَب ، وعليه فوزن دَمْدَم فَعْلَلَ .
وفرع على « دمدم عليهم » { فسواها } أي فاستَووا في إصابتها لهم ، فضمير النصب عائد إلى الدمدمة المأخوذة من « دمدم عليهم » .
ومن فسروا « دمدم » بمعنى : أطبق عليهم الأرض قالوا معنَى « سوَّاها » : جعل الأرض مستوية عليهم لا تظهر فيها أجسادهم ولا بلادهم ، وجَعَلوا ضمير المؤنث عائداً إلى الأرض المفهومة من فعل « دمدم » فيكون كقوله تعالى : { لو تسوى بهم الأرض } [ النساء : 42 ] .
وبين { فسواها } هنا وقوله : { وما سواها } [ الشمس : 7 ] قبله محسن الجناس التام .
والعقبى : ما يحصل عقِب فعل من الأفعال مِن تبعة لفاعِلِه أو مَثوبة ، ولما كان المذكور عقاباً وغلبة وكان العرف أن المغلوب يكنّى في نفسه الأخذ بالثأر من غالبه فلا يهدَأ له بال حتى يثأر لنفسه ، ولذلك يقولون : الثَّأْر المُنِيم ، أي الذي يزيل النوم عن صاحبه ، فكان الذي يغلب غيره يتقي حذراً من أن يتمكن مغلوبُه من الثأر ، أخْبَرَ الله أنه الغالب الذي لا يقدر مغلوبُه على أخذ الثأر منه ، وهذا كناية عن تمكن الله من عقاب المشركين ، وأن تأخير العذاب عنهم إمهال لهم وليس عن عجز فجملة { فلا يخاف عقباها } تذييل للكلام وإيذان بالختام .
ويجوز أن يكون قوله : { فلا يخاف عقباها } تمثيلاً لحالهم في الاستئصال بحال من لم يترك مَن يثأر له فيكون المثَل كناية عن هلاكهم عن بكرة أبيهم لم يبق منهم أحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.