فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا} (14)

{ فكذبوه } بتحذيره إياهم واستمروا على تكذيبه { فعقروها } أي عقرها الأشقى وإنما اسند العقر إلى الجميع لأنهم رضوا بما فعله ، قال قتادة أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم ، قال الفراء عقرها اثنان ، والعرب تقول هذان أفضل الناس ، وهذان خير الناس ، فلهذا لم يقل أشقياها .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن زمعة قال : " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال : { إذ انبعث أشقاها } قال انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة " {[1714]} .

وعن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي " ألا أحدثك بأشقى الناس قال بلى قال رجلان احيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذا يعني قرنه – حتى تبتل منه هذه ، يعني لحيته " أخرجه أحمد وابن أبي حاتم والبغوي والطبراني وابن مردويه والحاكم وأبو نعيم في الدلائل .

{ فدمدم عليهم ربهم } أي أهلكهم وأطبق عليهم العذاب { بذنبهم } الذي هو الكفر والتكذيب والعقر ، وحقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده يقال دمدمت على الشيء أي أطبقت عليه ودمدم عليه القبر أي أطبقه ، وناقة مدمومة إذا لبسها الشحم والدمدمة إهلاك باستئصال ، كذا قال المؤرخ .

قال في الصحاح دمدمت الشيء إذا ألزقته بالأرض وطحطحته ، ودمدم الله عليهم أهلكهم ودمدمت على الميت التراب أي سويته عليه .

قال ابن الأنباري دمدم أي غضب ، والدمدمة الكلام الذي يزعج الرجل ، وقال ابن الأعرابي دمدم إذا عذب عذابا تاما .

والضمير في { فسواها } يعود إلى الدمدمة أي فسوى الدمدمة عليهم وعمهم بها فاستوت في صغيرهم وكبيرهم ، وقيل : يعود إلى الأرض أي فسوى الأرض عليهم فجعلهم تحت التراب ، وقيل يعود إلى الأمة أي ثمود ، قال الفراء : سوى الأمة أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوى بينهم فلم يفلت منهم أحدا إلا من آمن مع صالح وكانوا أربعة آلاف .

قرأ الجمهور فدمدم بميم بين الدالين وقرأ ابن الزبير فدهدم بهاء بينها : قال القرطبي وهما لغتان كما يقال امتقع لونه واهتقع لونه ، وفي القاموس دمم الأرض سواها كدهدم ودمدم عليهم ، فتلخص أن دمدم بدال واحدة ودمدم بدالين معناهما واحد .


[1714]:وهو قدار بن سالف: روى البخاري في "صحيحه" 8/ 542 عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة، والذي عقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة" ورواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم.