معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا} (14)

وقوله عز وجل : { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } .

يقول القائل : كيف كذبوه فعقروها ؟ ونرى أن الكلام أن يقال : فعقروها فكذبوه ، فيكون التكذيب بعد العقر . وقد يكون على ما ظنّ ، لأنك تقول : قتلوا رسولهم فكذبوه ، أي : كفى بالقتل تكذيبا ، فهذا وجه ، ويكون فكذبوه كلمة مكتفي بها ، ويكون قوله : { فعقروها } جوابا لقوله : { إذ انْبَعَث أَشْقَاها } ، فعقروها . وكذلك جاء التفسير . ويكون مقدما وَمؤخرا ؛ لأن العقر وقع بالتكذيب ، وإذا وقع الفعلان معا جاز تقديم أيهما شئت . من ذلك : أعطيتَ فأحْسنت ، وإن قلت : أحسنت فأعطيت كان بذلك المعنى ؛ لأن الإعطاء هو الإِحسان ، والإحسان هو الإعطاء ، كذلك العقر : هو التكذيب . فقدمتَ ما شئتَ وأخرت الآخر .

ويقول القائل : كيف قال : فكذبوه ولم يكذبوه قبل ذلك إذ رضوا بأن يكون للناقة شِربٌ ولهم شِرب فجاء في التفسير : أنهم كانوا أقرُّوا بهذا غير مصدقين له :

وقوله عز وجل : { فَدَمْدَمَ } .

أرجف بهم . { فَسَوَّاها } عليهم .

ويقال : فسوَّاها : سوّى الأمة ، أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوَّى بينهم .