هذه هي اللمسة الأولى في تذكيرهم بالنصر في بدر . . ثم يستحضر مشهدها ويستحيي صورتها في حسهم ، كأنهم اللحظة فيها :
( إذ تقول للمؤمنين : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ؟ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين )
وكانت هذه كلمات رسول الله [ ص ] يوم بدر ، للقلة المسلمة التي خرجت معه ؛ والتي رأت نفير المشركين ، وهي خرجت لتلقى طائفة العير الموقرة بالمتاجر ، لا لتلقى طائفة النفير الموقرة بالسلاح ! وقد أبلغهم الرسول [ ص ] ما بلغه يومها ربه ، لتثبيت قلوبهم وأقدامهم ، وهم بشر يحتاجون إلى العون في صورة قريبة من مشاعرهم وتصوراتهم ومألوفاتهم . .
{ إذ تقول للمؤمنين } ظرف لنصركم . وقيل بدل ثان من إذ غدوت على أن قوله لهم يوم أحد وكان مع اشتراط الصبر والتقوى عن المخالفة ، فلما لم يصبروا عن الغنائم وخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لم تنزل الملائكة . { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } إنكار أن لا يكفيهم ، ذلك وإنما جيء بلن إشعارا بأنهم كانوا كالآيسين من النصر لضعفهم وقلتهم وقوة العدو وكثرتهم . قيل أمدهم الله يوم بدر أولا بألف من الملائكة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف . وقرأ ابن عامر { منزلين } بالتشديد للتكثير أو للتدريج .
ظرف { إذ تقول للمؤمنين } زماني وهو متعلّق « بنصركم » لأنّ الوعد بنصرة الملائكة والمؤمنين كان يوم بدر لا يوم أحُد . هذا قول جمهور المفسّرين .
وخصّ هذا الوقت بالذكر لأنَّه كان وقت ظهور هذه المعجزة ، وهذه النِّعمة ، فكان جديراً بالتذكير والامتنان .
والمعنى : إذ تعِد المؤمنين بإمداد الله بالملائكة ، فما كان قول النَّبيء صلى الله عليه وسلم لهم تلك المقالة إلاّ بوعد أوحاه الله إليه أن يقوله .
والاستفهام في قوله : { ألن يكفيكم } تقريري ، والتقريري يكثر أن يورد على النَّفي ، كما قدّمنا بيانه عند قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } في سورة [ البقرة : 243 ] .
وإنَّما جيء في النَّفي بحرف لَن الَّذي يفيد تأكيد النَّفي للإشعَار بأنّهم كانوا يوم بدر لقلّتهم ، وضعفهم ، مع كثرة عدوّهم ، وشوكته ، كالآيسين من كفاية هذا المدد من الملائكة ، فأوقع الاستفهام التَّقريري على ذلك ليكون تلقيناً لِمن يخالج نفسَه اليأس من كفاية ذلك العدد من الملائكة ، بأن يصرّح بما في نفسه ، والمقصود من ذلك لازمهُ ، وهذا إثبات أنّ ذلك العدد كاف .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره: {وَلَقَدْ نَصَركُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلّةٌ} إذ تقول للمؤمنين بك من أصحابك: {ألَنْ يَكْفِيكُمْ أنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزلِينَ}؟ وذلك يوم بدر. ثم اختلف أهل التأويل في حضور الملائكة يوم بدر حربهم، في أيّ يوم وعدوا ذلك؟
فقال بعضهم: إن الله عزّ وجلّ كان وعد المؤمنين يوم بدر أن يمدّهم بملائكته إن أتاهم العدوّ من فورهم، فلم يأتوهم، ولم يمدّوا...
وقال آخرون: كان هذا الوعد من الله لهم يوم بدر، فصبر المؤمنون واتقوا الله، فأمدّهم بملائكته على ما وعدهم...
وقال آخرون: إن الله عزّ وجلّ إنما وعدهم يوم بدر أن يمدّهم إن صبروا عند طاعته، وجهاد أعدائه واتقوه باجتناب محارمه، أن يمدْهم في حروبهم كلها، فلم يصبروا ولم يتقوا إلا في يوم الأحزاب، فأمدّهم حين حاصروا قريظة...
وقال آخرون بنحو هذا المعنى، غير أنهم قالوا: لم يصبر القوم، ولم يتقوا، ولم يمدّوا بشيء في أُحُد...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤمنين: {ألَنْ يَكْفِيَكُمْ أنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائكَةِ}؟ فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الملائكة مددا لهم، ثم وعدهم بعد الثلاثة الآلاف، خمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم، واتقوا الله. ولا دلالة في الآية على أنهم أمدّوا بالثلاثة آلاف، ولا بالخمسة آلاف، ولا على أنهم لم يمدّوا بهم. وقد يجوز أن يكون الله عزّ وجلّ أمدّهم على نحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدّهم. وقد يجوز أن يكون لم يمدّهم على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك، ولا خبر عندنا صحّ من الوجه الذي يثبت أنهم أمدّوا بالثلاثة الآلاف ولا بالخمسة الآلاف. وغير جائز أن يقال في ذلك قول إلا بخبر تقوم الحجة به، ولا خبر به كذلك فنسلم لأحد الفريقين قوله، غير أن في القرآن دلالة على أنهم قد أمدّوا يوم بدر بألف من الملائكة وذلك قوله: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فاسْتَجابَ لَكُمْ أنّي مُمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فأما في يوم أُحد، فالدلالة على أنهم لم يمدّوا أبين منها في أنهم أمدّوا، وذلك أنهم لو أمدّوا لم يهزموا وينال منهم ما نيل منهم. فالصواب فيه من القول أن يقال كما قال تعالى ذكره. وقد بينا معنى الإمداد فيما مضى، والمدد، ومعنى الصبر والتقوى. وأما قوله: {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} فإن أهل التأويل اختلفوا فيه، فقال بعضهم: معنى قوله: {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا}: من وجههم هذا...
وقال آخرون: معنى ذلك: من غضبهم هذا...
وأصل الفور: ابتداء الأمر يؤخذ فيه، ثم يوصل بآخر، يقال منه: فارت القدر فهي تفور فورا وفورانا: إذا ما ابتدأ ما فيها بالغليان ثم اتصل¹ ومضيت إلى فلان من فوري ذلك، يراد به: من وجهي الذي ابتدأت فيه. فالذي قال في هذه الآية: معنى قوله: {مِنْ فَوْرِهِم هَذَا}: من وجههم هذا، قصد إلى أن تأويله: ويأتيكم كرز بن جابر وأصحابه يوم بدر، من ابتداء مخرجهم الذي خرجوا منه لنصرة أصحابهم من المشركين. وأما الذين قالوا: معنى ذلك: من غضبهم هذا، فإنما عنوا أن تأويل ذلك: ويأتيكم كفار قريش وتُبّاعهم يوم أُحد من ابتداء غضبهم الذي غضبوه لقتلاهم الذين قتلوا يوم بدر بها {يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ}. كذلك من اختلاف تأويلهم في معنى قوله {ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} اختلف أهل التأويل في إمداد الله المؤمنين بأحد بملائكته، فقال بعضهم: لم يمدّوا بهم، لأن المؤمنين لم يصبروا لأعدائهم، ولم يتقوا الله عزّ وجلّ بترك من ترك من الرماة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوته في الموضع الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبوت فيه، ولكنهم أخلوا به طلبا للغنائم، فقتل من المسلمين، ونال المشركون منهم ما نالوا. وإنما كان الله عزّ وجلّ وعد نبيه صلى الله عليه وسلم إمدادهم بهم إن صبروا واتقوا الله. وأما الذين قالوا: كان ذلك يوم بدر بسبب كرز بن جابر، فإن بعضهم قالوا: لم يأت كرز وأصحابه إخوانهم من المشركين مددا لهم ببدر، ولم يمدّ الله المؤمنين بملائكته، لأن الله عزّ وجلّ إنما وعدهم أن يمدّهم بملائكته إن أتاهم كرز ومدد المشركين من فورهم، ولم يأتهم المدد. وأما الذين قالوا: إن الله تعالى ذكره أمدّ المسلمين بالملائكة يوم بدر، فإنهم اعتلوا بقول الله عزّ وجلّ: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فاسْتَجابَ لَكُمْ أنّي مُمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}، قال: فالألف منهم قد أتاهم مددا، وإنما الوعد الذي كانت فيه الشروط فيما زاد على الألف، فأما الألف فقد كانوا أمدّوا به، لأن الله عزّ وجلّ كان قد وعدهم ذلك، ولن يخلف الله وعده. واختلف القراء في قراءة قوله: {مُسَوّمِينَ} فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة: «مُسَوّمِينَ» بفتح الواو، بمعنى أن الله سوّمها. وقرأ ذلك بعض قراء أهل الكوفة والبصرة: {مُسَوّمِينَ} بكسر الواو، بمعنى أن الملائكة سوّمت لنفسها. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بكسر الواو، لتظاهر الأخبار عن (أصحاب) رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل التأويل منهم ومن التابعين بعدهم، بأن الملائكة هي التي سوّمت أنفسها من غير إضافة تسويمها إلى الله عزّ وجلّ أو إلى غيره من خلقه. ولا معنى لقول من قال: إنما كان يختار الكسر في قوله: {مُسَوّمِينَ} لو كان في البشر، فأما الملائكة فوصفهم غير ذلك ظنا منه بأن الملائكة غير ممكن فيها تسويم أنفسها إن كانوا ذلك في البشر وذلك أن غير مستحيل أن يكون الله عز وجل مكنها من تسويم أنفسها بحقّ تمكينه البشر من تسويم أنفسهم، فسوموا أنفسهم بحقّ الذي سوّم البشر طلبا منها بذلك طاعة ربها، عن فأضيف تسويمها أنفسها إليها، وإن كان ذلك عن تسبيب الله لهم أسبابه، وهي إذا كانت موصوفة بتسويمها أنفسها تقرّبا منها إلى ربها، كان أبلغ في مدحها لاختيارها طاعة الله من أن تكون موصوفة بأن ذلك مفعول بها...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فيه بشارة للمؤمنين بالنصر لهم والمعونة بقوله: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به} [آل عمران: 126] جعل في ذلك تسكين قلوب المسلمين. ثم اختلف في قتال الملائكة، قال بعضهم: قاتل الملائكة الكفار، وقال آخرون: لم يقاتلوا، ولكن جاؤوا بتسكين قلوبهم ما ذكر في الآية [126] ولا يحتمل القتال لأنه ذكر في الآية: {ويقللكم في أعينهم} [الأنفال: 44] ولو كانوا يقاتلون لم يكن لما يقلل معنى، لأن الواحد منهم كاف بجميع المشركين، ألا ترى أن جبريل [عليه السلام] كيف رفع قريات لوط، فقلبها؟ فدل لما ذكر، والله أعلم، وقيل: قاتلوا يوم بدر، ولم يقاتلوا يوم أحد، فلا ندري كيف كان الأمر؟
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
الكفاية: مقدار سد الخلة، والاكتفاء الاقتصار عليه، والإمداد إعطاء الشيء حالاً بعد حال، والأصل في الإمداد هو الزيادة ومنه مد الماء وهو زيادته.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
المعني في الآية أن الله أعطاهم القوة في أنفسهم ثم زادهم قوة بالملائكة...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
كان تسكينُ الحقِّ سبحانه لقلبِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة من الله -سبحانه، والربطُ على قلوب المؤمنين بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم- فلولا بقية بقيت عليهم ما ردَّهم في حديث النصرة إلى إنزال المَلَك، وأنَّى بحديث المَلَك -والأمرُ كلُّه بِيَدِ المَلِك؟!...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
معنى {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة. وإنما جيء بلن الذي هو لتأكيد النفي، للإشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوّهم وشوكته كالآيسين من النصر.
اختلف المفسرون في أن هذا الوعد حصل يوم بدر، أو يوم أحد...
القول الأول: أنه يوم أحد:... [و] نظم الآية على هذا التأويل أنه تعالى ذكر قصة أحد، ثم قال: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} أي يجب أن يكون توكلهم على الله لا على كثرة عددهم وعددهم فلقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فكذلك هو قادر على مثل هذه النصرة في سائر المواضع، ثم بعد هذا أعاد الكلام إلى قصة أحد فقال: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة}. القول الثاني: أن هذا الوعد كان يوم بدر، وهو قول أكثر المفسرين،...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
نزول الملائكة سبب من أسباب النصر لا يحتاج إليه الرب تعالى، وإنما يحتاج إليه المخلوق فليعلق القلب بالله وليثق به، فهو الناصر بسبب وبغير سبب...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
اختلف المفسرون في هذا الوعد: هل كان يوم بَدْر أو يوم أُحُد؟ على قولين:
أحدهما: أن قوله: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ} متعلق بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} ورُوي هذا عن الحسن البصري، وعامر الشعبي، والرَّبِيع بن أنس، وغيرهم. واختاره ابن جرير.
قال عباد بن منصور، عن الحسن في قوله: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ} قال: هذا يوم بَدْر. رواه ابن أبي حاتم، ثم قال:
حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وُهَيْب عن داود، عن عامر -يعني الشعبي- أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كُرْز بن جابر يُمدّ المشركين، فشق ذلك عليهم، فأنزل الله: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنزلِينَ} إلى قوله: {مُسَوِّمِين} قال: فبلغت كُرْزًا الهزيمة، فلم يمد المشركين ولم يمد الله المسلمين بالخمسة.
وقال الرَّبِيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف.
فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية -على هذا القول- وبين قوله تعالى في قصة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ] إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9، 10] فالجواب: أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها، لقوله: {مُردِفِينَ} بمعنى يَرْدَفُهم غيرُهم ويَتْبَعهم ألوف أخر مثلهم. وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران. فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر، والله أعلم، قال سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة: أمد الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف.
القول الثاني: أن هذا الوعد متَعَلق بقوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} وذلك يوم أحُد. وهو قول مجاهد، وعِكْرِمة، والضَّحَّاك، والزهري، وموسى بن عُقبة وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف؛ لأن المسلمين فرّوا يومئذ -زاد عكرمة: ولا بالثلاثة الآلاف؛ لقوله: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} فلم يصبروا، بل فروا، فلم يمدوا بملك واحد.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما اشتملت هذه القصة على المصيبة التي سيقص الله كثيراً منها، و هي مستوفاة في السير كان أنسب من قصها وبيان ما اتفق لها -لوعظ من يأتي- البداءةُ بتذكير من باشرها بما وعدهم الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قبل وقوع القتال من النصر المشروط بالصبر والتقوى تنبيهاً لهم على أن الخلل من جهتهم أتى، ثم وعظمهم بالنهي عما منعهم النصر، والأمر بما يحصله لهم كما سيحثهم على ذلك بما يقص عليهم من نبأ من قاتل مع الأنبياء قبلهم بأنهم لما أصابهم القتل لم يهنوا وعلموا أن الخلل من أنفسهم، فبادروا إلى إصلاحه بأفعال المتقين من الصبر والتضرع والإقرار بالذنب، فقال -مبدلاً من {إذ غدوت} عوداً على بدء تعظيماً للأمر حثاً على النظر في موارده ومصادره والتدبر لأوائله وأواخره -: {إذ تقول للمؤمنين} أي الذين شاورتهم في أمر أحد- وفي غمارهم المنافقون -لما زلزلوا برجوع أكثر المنافقين به، حتى كاد بعض الثابتين أن يرجع ضعفاً وجبناً، مع ما كان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم به من تلك الرؤيا التي أولها بذبح يكون في أصحابه، ليكون إقدامهم على بصيرة، أو يصدهم ذلك عن الخروج إلى العدو كما كان ميل النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر أصحابه وإعلامهم إلى المكث في المدينة قال منكراً آتياً بأداة التأكيد للنفي: {ألن يكفيكم} أي أيها المؤمنون {أن يمدكم} إمداداً خفياً- بما أشار إليه الإدغام {ربكم} أي المتولي لتربيتكم ونصر دينكم {بثلاثة آلاف} ثم عظم أمرهم بقوله: {من الملائكة} ثم زاد في إعظامهم بأنهم من السماء بقوله: {منزلين}...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إنَّما جيء في النَّفي بحرف لَن الَّذي يفيد تأكيد النَّفي للإشعَار بأنّهم كانوا يوم بدر لقلّتهم، وضعفهم، مع كثرة عدوّهم، وشوكته، كالآيسين من كفاية هذا المدد من الملائكة، فأوقع الاستفهام التَّقريري على ذلك ليكون تلقيناً لِمن يخالج نفسَه اليأس من كفاية ذلك العدد من الملائكة، بأن يصرّح بما في نفسه، والمقصود من ذلك لازمهُ، وهذا إثبات أنّ ذلك العدد كاف...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وقوله تعالى على لسان نبيه: {ألن يكفيكم أن يمدكم} تومئ إلى أن حالا من الخور قد اعترت نفوس بعض المحاربين، إذ إن الاستفهام كان منصبا على (لن) التي تفيد النفي المؤكد، والمعنى: أمن المؤكد أنه لا يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، وهذا فرق ما بين الاستفهام إذا دخل على "لا "والاستفهام إذا دخل على "لن"؛ فالأول استفهام منصب على نفي غير مؤكد، والثاني استفهام منصب على نفي مؤكد، وذلك يدل على خور قد اعترى بعضهم، فكانت الحال في الابتداء عن بعض المحاربين تومئ إلى احتمال هزيمة.