إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ} (124)

{ إِذْ تَقُولُ } تلوينٌ للخطاب بتخصيصه برسول الله صلى الله عليه وسلم لتشريفه والإيذانِ بأن وقوعَ النصرِ كان ببشارته عليه السلام { لَهُمْ } وإذ ظرفٌ لنصَرَكم قدِّم عليه الأمرُ بالتقوى لإظهار كمالِ العنايةِ به ، والمرادُ به الوقتُ الممتدُ الذي وقع فيه ما ذكر بعده وما طُويَ ذكرُه تعويلاً على شهادة الحالِ مما يتعلق به وجودُ النصرِ ، وصيغةُ المضارعِ لحكاية الحالِ الماضيةِ لاستحضار صورتِها أي نصركم وقت قولك : { لِلْمُؤْمِنِينَ } حين أظهروا العجزَ عن المقاتلة . قال الشعبي : بلغ المؤمنين أن كُرْزَ بنَ جابرٍ الحنفي يريد أن يُمِدَّ المشركين فشق ذلك على المؤمنين فنزل حينئذ ثم حكي هاهنا { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ ربكم بثلاثة آلافٍ } الكفايةُ سدُّ الخَلّةِ والقيامُ بالأمر ، والإمدادُ في الأصل إعطاءُ الشيءِ حالاً بعد حال . قال المفضّل : ما كان منه بطريق التقويةِ والإعانةِ يقال فيه : أمَدَّه يُمِدُّه إمداداً وما كان بطريق الزيادة يقال فيه : مَدَّه يمُدّه مداً ومنه { والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [ لقمان ، الآية 27 ] وقيل : المَدّ في الشر كما في قوله تعالى : { وَيَمُدُّهُمْ فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ } [ البقرة ، الآية 15 ] وقولِه : { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً } [ مريم ، الآية 79 ] والإمدادُ في الخير كما في قوله تعالى : { وأمددناكم بأموال وَبَنِينَ } [ الإسراء ، الآية 6 ] والتعرُّضُ لعنوان الربوبية هاهنا وفيما سيأتي مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لإظهار العنايةِ بهم والإشعارِ بعلةِ الإمداد ، والمعنى إنكارُ عدمِ كفايةِ الإمدادِ بذلك المقدار ونفيُه . وكلمة { لَنْ } للإشعار بأنهم كانوا حينئذ كالآيسين من النصر لضعفهم وقلّتِهم وقوةِ العدوّ وكثرتهم { مِنَ الملائكة } بيانٌ أو صفة لآلافٍ أو لما أُضيف إليه أي كائنين من الملائكة { مُنزَلِينَ } صفةٌ لثلاثةِ آلافٍ ثم خمسةِ آلافٍ . وقرئ مبنياً للفاعل من الصيغتين أي مُنزِلين النصرَ .