معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (3)

قوله تعالى : { إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون } قوله : { جعلناه } أي : صيرنا قراءة هذا الكتاب عربياً . وقيل : بيناه . وقيل : سميناه . وقيل : وصفناه ، يقال : جعل فلان زيداً أعلم الناس ، يعني وصفه ، هذا كقوله تعالى :{ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } ( الزخرف-19 ) وقوله :{ جعلوا القرآن عضين } ( الحجر-91 ) ، وقال :{ أجعلتم سقاية الحاج }( التوبة-19 ) ، كلها بمعنى الوصف والتسمية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (3)

يقسم الله - سبحانه - بحا ميم والكتاب المبين ، على الغاية من جعل هذا القرآن في صورته هذه التي جاء بها للعرب :

( إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ) . .

فالغاية هي أن يعقلوه حين يجدونه بلغتهم وبلسانهم الذي يعرفون . والقرآن وحي الله - سبحانه وتعالى - جعله في صورته هذه اللفظية عربياً ، حين اختار العرب لحمل هذه الرسالة ، للحكمة التي أشرنا إلى طرف منها في سورة الشورى ؛ ولما يعلمه من صلاحية هذه الأمة وهذا اللسان لحمل هذه الرسالة ونقلها . والله اعلم حيث يجعل رسالته .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (3)

{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ } أي : أنزلناه { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } أي : بلغة العرب فصيحا واضحا ، { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي : تفهمونه وتتدبرونه ، كما قال : { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [ الشعراء : 195 ] .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (3)

وضمير { جعلناه } عائد إلى { الكتاب } ، أي إنا جعلنا الكتاب المبينَ قرآناً والجعل : الإيجاد والتكوين ، وهو يتعدّى إلى مفعول واحد .

والمعنى : أنه مقروء دون حضور كتاب فيقتضي أنه محفوظ في الصدور ولولا ذلك لما كانت فائدة للإخبار بأنه مقروء لأن كل كتاب صالح لأن يقرأ . والإخبار عن الكتاب بأنه قرآن مبالغة في كون هذا الكتاب مقروءاً ، أي ميسّراً لأنْ يُقرأ لقوله : { ولقد يسّرنا القرآن للذكر } [ القمر : 17 ] وقوله : { إنّ علينا جمعَه وقُرآنه } [ القيامة : 17 ] . وقوله : { إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون } [ الحجر : 9 ] .

فحصل بهذا الوصف أن الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم جامع لوصفين : كونِه كتاباً ، وكونه مقروءاً على ألسنة الأمة .

وهذا مما اختص به كتاب الإسلام . و { عربياً } نسبة إلى العرب ، وإذ قد كان المنسوب كتاباً ومقروءاً فقد اقتضى أن نسبته إلى العرب نسبة الكلام واللّغةِ إلى أهلها ، أي هو مما ينطق العرب بمِثل ألفاظه ، وبأنواع تراكيبه .

وانتصب { قرآناً } على الحال من مفعول { جعلناه } .

ومعنى جعله { قرآناً عربياً } تكوينه على ما كُونت عليه لغة العرب ، وأن الله بباهر حكمتِه جعل هذا الكتاب قرآناً بلغة العرب لأنها أشرف اللّغات وأوْسعها دلالة على عديد المعاني ، وأنزله بين أهل تلك اللّغة لأنهم أفهم لدقائقها ، ولذلك اصطفى رسوله من أهل تلك اللّغة لتتظاهر وسائل الدلالة والفهم فيكونوا المبلغين مرادَ الله إلى الأمم . وإذا كان هذا القرآن بهاته المثابة فلا يأبَى مِن قبوله إلا قوم مسرفون في الباطل بُعداءُ عن الإنصاف والرشد ، ولكن الله أراد هديهم فلا يقطع عنهم ذكره حتى يتمّ مراده ويكمُل انتشار دينه فعليهم أن يراجعوا عقولهم ويتدبروا إخلاصهم فإن الله غير مُؤاخِذِهم بما سلف من إسرافهم إن هم ثَابُوا إلى رشدهم .

والمقصود بوصف الكتاب بأنه عربي غَرضان : أحدهما التنويه بالقرآن ، ومدحه بأنه منسوج على منوال أفصح لغة ، وثانيهما التورّك على المعاندين من العرب حين لم يتأثروا بمعانيه بأنهم كمن يسمع كلاماً بلغة غير لغته ، وهذا تأكيد لما تضمنه الحرفان المقطعان المفتتحة بهما السورة من معنى التحدّي بأن هذا كتاب بلغتكم وقد عجزتم عن الإتيان بمثله .

وحَرْف ( لعلّ ) مستعار لمعنى الإرادة وتقدم نظيره في قوله : { لعلكم تعقلون } في أوائل سورة البقرة ( 73 ) .

والعقل الفهم . والغرض : التعريضُ بأنهم أهملوا التدبر في هذا الكتاب وأن كماله في البيان والإفصاح نستأهل العناية بِه لا الإعراض عنه فقوله : { لعلكم تعقلون } مشعر بأنهم لم يعقلوا .

والمعنى : أنّا يسرنا فهمه عليكم لعلكم تعقلون فأعرضتم ولم تعقلوا معانيه ، لأنه قد نزل مقدار عظيم لو تدبروه لعقلوا ، فهذا الخبر مستعمل في التعريض على طريقة الكناية .