ويطوي صفحتهم مشيعة بالتبكيت والإهمال ، والمفارقة والانفصال ، من رسولهم الذي كان أخاهم ، ثم افترق طريقه عن طريقهم ، فافترق مصيره عن مصيرهم ، حتى لم يعد يأسى على مصيرهم الأليم ، وعلى ضيعتهم في الغابرين :
( فتولى عنهم ، وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ، فكيف آسى على قوم كافرين ؟ ) .
إنه من ملة وهم من ملة . فهو أمة وهم أمة . أما صلة الأنساب والأقوام ، فلا اعتبار لها في هذا الدين ، ولا وزن لها في ميزان اللّه . . فالوشيجة الباقية هي وشيجة هذا الدين ، والارتباط بين الناس إنما يكون في حبل اللّه المتين . .
انتهى الجزء الثامن ويليه الجزء التاسع مبدوءاً بقوله تعالى : ( قال الملأ الذين استكبروا )
أي : فتولى عنهم " شعيب " عليه السلام بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال ، وقال مقرعًا لهم وموبخًا : { يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ } أي : قد أديتُ إليكم ما أُرْسِلْت به ، فلا أسفة عليكم وقد كفرتم بما جئتم به ، ولهذا{[11975]} قال : { فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ } ؟ .
تقدم تفسير نظير هذه الآية إلى قوله : { ونصحت لكم } من قصة ثمود ، وتقدم وجه التعبير ب { رسالات } بصيغة الجمع في نظيرها من قصة قوم نوح .
ونداؤُه قومه نداء تحسر وتبرىء من عملهم ، وهو مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر ، حين وقف على القليب الذي ألقي فيه قتلى المشركين فناداهم بأسماء صناديدهم ثم قال : " لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً " وجاء بالاستفهام الإنكاري في قوله : { فكيف آسى على قوم كافرين } مخاطباً نفسه على طريقة التجريد ، إذ خطر له خاطر الحزن عليهم فدفعه عن نفسه بأنهم لا يستحقون أن يؤسف عليهم لأنهم اختاروا ذلك لأنفسهم ، ولأنه لم يترك من تحذيرهم ما لو ألقاه إليهم لأقلعوا عما هم فيه فلم يبق ما يوجب أسفه وندامته كقوله تعالى : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } [ الكهف : 6 ] وقوله : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] .
فالفاء في { فكيف آسى على قوم كافرين } للتفريع على قوله : { لقد أبلغتكم } الخ . . . فرع الاستفهام الإنكاري على ذلك لأنه لمّا أبلغهم ونَصحَ لهم وأعرضوا عنه ، فقد استحقوا غضب من يَغضب لله ، وهو الرسول ، ويرى استحقاقهم العقاب فكيف يحزن عليهم لما أصابهم من العقوبة .
والأسى : شدة الحزن ، وفعله كرضي ، و« آسى » مضارع مفتتح بهمزة التكلم ، فاجتمع همزتان .
ويجوز أن يكون الاستفهام الإنكاري موجهاً إلى نفسه في الظاهر ، والمقصود نهي من معه من المؤمنين عن الأسى على قومهم الهالكين ، إذ يجوز أن يحصل في نفوسهم حزن على هلكى قومهم وإن كانوا قد استحقوا الهلاك .
وقوله : { على قوم كافرين } إظهار في مقام الإضمار : ليتأتى وصفهم بالكفر زيادة في تعزية نفسه وترك الحزن عليهم .
وقد نَجى الله شعيباً مما حلّ بقومه بأن فارق ديار العذاب ، قيل : إنه خرج مع من آمن به إلى مكة واستقروا بها إلى أن تُوُفوا ، والأظهر أنهم سكنوا محلة خاصة بهم في بلدهم رفع الله عنها العذاب ، فإن بقية مدين لم يزالوا بأرضهم ، وقد ذكرت التوراة أن شعيباً كان بأرض قومه حينما مرّت بنو إسرائيل على ديارهم في خروجهم من مصر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.