اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡۖ فَكَيۡفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ} (93)

قوله تعالى : { فَكَيْفَ آسى على قَوْمٍ كَافِرِينَ } " كيف " هنا مثل " كيف " في : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } [ البقرة : 28 ] وتقدم الكلام على " آسى " وبابه{[16567]} .

وقرأ ابن وثاب{[16568]} وابن مصرّف والأعمش : " إيسى " بكسر الهمزة التي هي حرف مضارعة ، وتقدم أنها لغة بني أخْيَل في " الفاتحة " ، ولزم من ذلك قلب الفاء بعدها ياءً ؛ لأن الأصل أأسى بهمزتين .

والأسى : شدة الحزن قال العجّاج : [ الرجز ]

وانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ منْ فَرْطِ الأسَى{[16569]} *** . . .

والأسى : الصبر .

وفي المعنى قولان :

الأول : أنه اشتد حزنه على قومه ، لأنهم كانوا كثيرين ، وكان يتوقع منهم الإيمان ، فلمّا نزل بهم الهلاك العظيم حصل في قلبه من جهة القرابة والمجاورة وطول الألفة حزن ، ثم عزى نفسه وقال : { كيف آسى على قوم كافرين } ، لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بإصْرارِهِمْ على الكُفْرِ .

الثاني : أنَّ المعنى : لقد أعْذَرْتُ إليكم في الإبلاغِ والنَّصِيحَةِ والتَّحْذِير مما حلَّ بكم ؛ فلم تسمعوا قولي ، ولم تَقْبَلُوا نَصِيحَتِي " فَكْيَفَ آسَى عَلَيْكُمْ " ، بمعنى أنَّكُمْ لستم مستحقِّين بأنْ آسى عليكم .


[16567]:ينظر: تفسير الآية 26 من سورة المائدة.
[16568]:ينظر: المحرر الوجيز 2/431، والبحر المحيط 4/349، والدر المصون 3/307.
[16569]:ينظر: الرازي 14/149.