{ فتولى عَنْهُمْ وَقَالَ ياقوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رسالات رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ } تقدم الكلام على نظيره ، بيد أن هذا القول يحتمل أن يكون تأنيباً وتوبيخاً لهم وقوله سبحانه : { فَكَيْفَ ءاسى على قَوْمٍ كافرين } إنكار لمضمونه ، أي لقد أعذرت لكم في الإبلاغ والنصحية والتحذير مما حل بكم فلم تسمعوا قولي ولم تصدقوني { فَكَيْفَ ءاسى } أي لا آسي عليكم لأنكم لستم أحقاء بالأسى وهو الحزن كما في «الصحاح والقاموس » أو شدة الحزن كما في «الكشاف » ومجمع البيان ، ويحتمل أن يكون تأسفاً بهم لشدة خزنه عليهم ، وقوله سبحانه : { فَكَيْفَ } الخ إنكار على نفسه لذلك ، وفيه تجريد والتفات على ما قيل حيث جرد عليه السلام من نفسه شخصاً وأنكر عليه حزنه على قوم لا يستحقونه والتفت على الخطاب إلى التكلم ، وذكر بعض المحققين أن الظاهر أنه ليس من الالتفات والتجريد في شيء فإن قال يقتضي صيغة التكلم وهي تنافي التجريد ، وإنما هو نوع من البديع يسمى الرجوع وهو العود على الكلام السابق بالنقض لأنه إذا كان قد أبلغتكم تأسفاً ينافي ما بعده فكأنه بدا له ورجع عن التأسف منكراً لفعله الأول ، وقد جاء ذلك كثيراً في كلامهم ومن ذلك قول زهير :
قف بالديار التي لم تعفها القدم *** بلى وغيرها الأرواح والديم
والنكتة فيه الإشعار بالتوله والذهول من شدة الحيرة لعظم الأمر بحيث لا يفرق بين ما هو كالمتناقض من الكلام وغيره ، وابن حجة لا يفرق بين هذا النوع ونوع السلب والايجاب وكأن منشأ ذلك اعتماد في النوع الأخير على تعريف أبي هلال العسكري له ولو اعتمد على تعريف إمام الصناعة ابن أبي الأصبع لما اشتبه عليه الفرق ، وعلى الاحتمالين في قوله سبحانه : { على قَوْمٍ } الخ إقامة الظاهر مقام الضمير للإشعار بعدم استحقاقهم التأسف عليهم لكفرهم ، وقرأ يحيى بن وثاب { فَكَيْفَ } بكسر الهمزة وقلب الألف ياء على لغة من يكسر حرف الضارعة كقوله :
قعيدك أن لا تسمعيني ملامة *** ولا تنكىء جرح الفؤاد فييجعا
وإمالة الألف الثانية ، هذا ثم إن شعيباً عليه السلام بعد هلاك من أرسل إليهم نزل مع المؤمنين به بمكة حتى ماتوا هناك وقبورهم على ما روى عن وهب بنمنبه في غربي الكعبة بين دار الندوة وباب سهم . وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما قبر إسماعيل وقبر شعيب عليهما السلام أما قبر إسماعيل ففي الحجر وأما قبر شعيب فمقابل الحجر الأسود ، وروى عنه أيضاً أنه عليه السلام كان يقرأ الكتب التي كان الله تعالى أنزلها على إبراهيم عليه السلام ، ومن الغريب ما نقل الشهاب أن شعيباً إثنان وأن صهر موسى عليهما الصلاة والسلام من قبيلة من العرب تسمى عنزة وعنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وبينه وبين من تقدم دهر طويل فتبصر والله تعالى أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.