مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡۖ فَكَيۡفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ} (93)

ثم قال تعالى : { فتولى عنهم } واختلفوا في أنه تولى بعد نزول العذاب بهم أو قبل ذلك ، وقد سبق ذكر هذه المسألة . قال الكلبي : خرج من بين أظهرهم ، ولم يعذب قوم نبي حتى أخرج من بينهم .

ثم قال : { فكيف آسى على قوم كافرين } الأسى شدة الحزن . قال العجاج :

وانحلبت عيناه من فرط الأسى *** . . .

إذا عرفت هذا فنقول : في الآية قولان :

القول الأول : أنه اشتد حزنه على قومه ، لأنهم كانوا كثيرين ، وكان يتوقع منهم الاستجابة للإيمان ، فلما أن نزل بهم ذلك الهلاك العظيم ، حصل في قلبه من جهة الوصلة والقرابة والمجاورة وطول الألفة . ثم عزى نفسه وقال : { فكيف آسى على قوم كافرين } لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بسبب إصرارهم على الكفر .

والقول الثاني : أن المراد لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير مما حل بكم ، فلم تسمعوا قولي ، ولم تقبلوا نصيحتي ( فكيف آسى عليكم ) يعني أنهم ليسوا مستحقين بأن يأسى الإنسان عليهم . قال صاحب «الكشاف » : وقرأ يحيى بن وثاب { فكيف إيسى } بكسر الهمزة .