قوله تعالى : { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله } ، أي : أعتزل ما تعبدون من دون الله : قال مقاتل : كان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من كوثى فهاجر منها إلى الأرض المقدسة ، { وأدعو ربي } أي : أعبد ربي { عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا } أي : عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته ، كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام . وقيل : عسى أن يجيبني إذا دعوته ولا يخيبني .
وإذا كان وجودي إلى جوارك ودعوتي لك إلى الإيمان تؤذيك فسأعتز لك أنت وقومك ، وأعتزل ما تدعون من دون الله من الآلهة . وأدعو ربي وحده ، راجيا - بسبب دعائي لله - ألا يجعلني شقيا .
فالذي يرجوه إبراهيم هو مجرد تجنيبه الشقاوة . . وذلك من الأدب والتحرج الذي يستشعره . فهو لا يرى لنفسه فضلا ، ولا يتطلع إلى أكثر من تجنيبه الشقاوة !
وقوله : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي } أي : أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها [ من دون الله ]{[18869]} ، { وَأَدْعُو رَبِّي } أي : وأعبد ربي وحده لا شريك له ، { عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا } و " عسى " هذه موجبة لا محالة ، فإنه عليه السلام ، سيد الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه سلم .
جملة وأعتزلكم عطف على جملة سأستغفر لك ربي ، أي يقع الاستغفار في المستقبل ويقع اعتزالي إياكم الآن ، لأن المضارع غالب في الحال . أظهر إبراهيم العزم على اعتزالهم وأنه لا يتوانى في ذلك ولا يأسف له إذا كان في ذات الله تعالى ، وهو المحكي بقوله تعالى : { وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } [ الصافات : 99 ] ، وقد خرج من بَلد الكلدان عازماً على الالتحاق بالشام حسب أمر الله تعالى .
رأى إبراهيم أن هجرانه أباه غير مغن ، لأن بقية القوم هم على رأي أبيه فرأى أن يهجرهم جميعاً ، ولذلك قال له { وأعتزلكم } .
وضمير جماعة المخاطبين عائد إلى أبي إبراهيم وقومه تنزيلاً لهم منزلة الحضور في ذلك المجلس ، لأن أباه واحد منهم وأمرهم سواء ، أو كان هذا المقال جرى بمحضر جماعة منهم .
وعُطف على ضمير القوم أصنامُهم للإشارة إلى عداوته لتلك الأصنام إعلاناً بتغيير المنكر .
وعبر عن الأصنام بطريق الموصولية بقوله ما تدعون من دون الله للإيماء إلى وجه بناء الخبر وعلّة اعتزاله إياهم وأصنامَهم : بأن تلك الأصنام تعبد من دون الله وأن القوم يعبدونها ، فذلك وجه اعتزاله إياهم وأصنامهم .
والدعاء : العبادة ، لأنها تستلزم دعاء المعبود .
وزاد على الإعلان باعتزال أصنامهم الإعلان بأنه يدعو الله احتراساً من أن يحسبوا أنه نوى مجرد اعتزال عبادة أصنامهم فربما اقتنعوا بإمساكه عنهم ، ولذا بيّن لهم أنه بعكس ذلك يدعو الله الذي لا يعبدونه .
وعبّر عن الله بوصف الربوبية المضاف إلى ضمير نفسه للإشارة إلى انفراده من بينهم بعبادة الله تعالى فهو ربّه وحده من بينهم ، فالإضافة هنا تفيد معنى القصر الإضافي ، مع ما تتضمنه الإضافة من الاعتزاز بربوبية الله إياه والتشريف لنفسه بذلك .
وجملة وعسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً في موضع الحال من ضمير وأدعوا أي راجياً أن لا أكون بدعاء ربي شقياً . وتقدم معناه عند قوله { ولم أكن بدعائك رب شقياً } في هذه السورة ( 4 ) . وفي إعلانه هذا الرجاء بين ظهرانيهم تعريض بأنهم أشقياء بدعاء آلهتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.