فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَعۡتَزِلُكُمۡ وَمَا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدۡعُواْ رَبِّي عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّٗا} (48)

{ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ( 48 ) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ( 49 ) ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ( 50 ) واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا ( 51 ) وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ( 52 ) ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ( 53 ) } .

ثم صرح الخليل بما تضمنه سلامه من التوديع والمتاركة فقال : { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله } أي أهاجر بديني عنكم وعن معبوداتكم حيث لم تقبلوا نصحي ولا نجعت فيكم دعوتي ، وهذا في مقابلة قوله : واهجرني مليا .

{ وأدعو ربي } وحده { عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا } أي خائبا كما شقيتم بعبادة الأوثان . وقيل عاصيا قيل : أراد بهذا الدعاء هو أن يهب الله له ولدا وأهلا يستأنس بهم في اعتزاله ويطمئن إليهم عند وحشته ، وفي تصدير الكلام بعسى التواضع وهضم النفس والتنبيه على أن الإجابة والإثابة تفضل منه تعالى غير واجبين وأن ملاك الأمر خاتمته وهو عيب .

وقيل : أراد دعاءه لأبيه بالهداية ، وعسى للشك لأنه كان لا يدري أيستجاب له فيه أم لا ، والأول أولى لقوله :