معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا} (17)

{ والله أنبتكم من الأرض نباتاً } أراد مبدأ خلق أبي البشر آدم ، خلقه من الأرض ، والناس ولده ، وقوله : { نباتاً } اسم جعل في موضع المصدر أي إنباتاً ، قال الخليل : مجازه : فنبتم نباتاً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا} (17)

ثم عاد نوح فوجه قومه إلى النظر في نشأتهم من الأرض وعودتهم إليها بالموت ليقرر لهم حقيقة إخراجهم منها بالبعث : ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) . .

والتعبير عن نشأة الإنسان من الأرض بالإنبات تعبير عجيب موح . وهو يكرر في القرآن في صور شتى . كقوله تعالى : ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) . وهو يشير في هذا إلى نشأة الناس كنشأة النبات . كما يقرن نشأة الإنسان بنشأة النبات في مواضع متفرقة : ففي سورة الحج يجمع بينهما في آية واحدة في صدد البرهنة على حقيقة البعث فيقول : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ، لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ، ثم لتبلغوا أشدكم ، ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا . وترى الأرض هامدة ، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) . . وفي سورة " المؤمنين " يذكر أطوار النشأة الجنينية قريبا مما ذكرت في سورة الحج ويجيء بعدها : ( فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب ) . . وهكذا .

وهي ظاهرة تستدعي النظر ولا ريب . فهي توحي بالوحدة بين أصول الحياة على وجه الأرض ، وأن نشأة الإنسان من الأرض كنشأة النبات . من عناصرها الأولية يتكون . ومن عناصرها الأولية يتغذى وينمو ، فهو نبات من نباتها . وهبه الله هذا اللون من الحياة كما وهب النبات ذلك اللون من الحياة . وكلاهما من نتاج الأرض ، وكلاهما يرضع من هذه الأم !

وكذلك ينشىء الإيمان في المؤمن تصورا حقيقيا حيا لعلاقته بالأرض وبالأحياء . تصورا فيه دقة العلم وفيه حيوية الشعور . لأنه قائم على الحقيقة الحية في الضمير . وهذه ميزة المعرفة القرآنية الفريدة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا} (17)

وقوله : { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا } هذا اسم مصدر ، والإتيان به هاهنا أحسن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا} (17)

وقوله تعالى : { أنبتكم من الأرض نباتاً } استعارة من حيث أخذ آدم عليه السلام من الأرض ثم صار الجميع { نباتاً } منه ، وقوله تعالى : { نباتاً } مصدر جار على غير المصدر ، التقدير فنبتم { نباتاً } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا} (17)

أنشأ الاستدلال بخلق السماوات حضورَ الأرض في الخيال فأعقَبَ نوح به دليلَهُ السابقَ ، استدلالاً بأعجب ما يرونه من أحوال ما على الأرض وهو حال الموت والإِقبار ، ومهَّد لذلك ما يتقدمه من إنشاء الناس .

وأدمج في ذلك تعليمهم بأن الإِنسان مخلوق من عناصر الأرض مثل النبات وإعلامهم بأن بعد الموت حياة أخرى .

وأُطلق على معنى : أنشأكم ، فعلُ { أنبتكم } للمشابهة بين إنشاء الإِنسان وإنبات النبات من حيث إن كليهما تكوين كما قال تعالى : { وأنبتها نباتاً حسناً } [ آل عمران : 37 ] ، أي أنشأها وكما يقولون : زَرعك الله للخير ، ويزيد وجه الشبه هنا قرباً من حيث إن إنشاء الإِنسان مركب من عناصر الأرض ، وقيل التقدير : أنبتَ أصلكم ، أي آدم عليه السلام ، قال تعالى : { كمثل آدم خلقه من تراب } [ آل عمران : 59 ] .

و { نباتاً } : اسم من أنبت ، عومل معاملة المصدر فوقع مفعولاً مطلقاً ل { أنبتكم } للتوكيد ، ولم يجر على قياس فعله فيقال : إنباتاً ، لأن نباتاً أخف فلما تسَنى الإِتيان به لأنه مستعمل فصيح لم يُعدل عنه إلى الثقيل كمالاً في الفصاحة ، بخلاف قوله بعده { إخراجاً } فإنه لم يعدل عنه إلى : خروجاً ، لعدم ملاءمته لألفاظ الفواصل قبلَه المبنية على ألف مثل ألف التأسيس فكما تعدّ مخالفتها في القافية عيباً كذلك تُعدّ المحافظة عليها في الأسجاع والفواصل كمالاً .