وقبيل ختام السورة التي تكلمت طويلا عن المنافقين ، تجيء آيات تصور طريقة المنافقين في تلقي آيات الله وفي استقبال تكاليف هذه العقيدة التي يتظاهرون بها كاذبين ؛ وإلى جانبها صورة الذين آمنوا وتلقيهم لهذا القرآن الكريم :
( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول : أيكم زادته هذه إيمانا ? فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ؛ وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون . أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ، ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ? وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض : هل يراكم من أحد ? ثم انصرفوا . صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) . .
( أيكم زادته هذه إيمانا ? ) . .
سؤال مريب ، لا يقوله إلا الذي لم يستشعر وقع السورة المنزلة في قلبه . وإلا لتحدث عن آثارها في نفسه ، بدل التساؤل عن غيره . وهو في الوقت ذاته يحمل رائحة التهوين من شأن السورة النازلة والتشكيك في أثرها في القلوب !
لذلك يجيء الجواب الحاسم ممن لا راد لما يقول :
( فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) .
فأما الذين آمنوا فقد أضيفت إلى دلائل الإيمان عندهم دلالة فزادتهم إيمانا ؛ وقد خفقت قلوبهم بذكر ربهم خفقة فزادتهم إيمانا ؛ وقد استشعروا عناية ربهم بهم في إنزال آياته عليهم فزادتهم إيمانا .
يقول تعالى : { وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ } فمن المنافقين { مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا } ؟ أي : يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة إيمانا ؟ قال الله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص ، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء ، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد ، وقد بسط الكلام على هذه المسألة في أول " شرح البخاري " رحمه الله ، { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } أي : زادتهم شكا إلى شكهم ، وريبا إلى ريبهم ، كما قال تعالى : { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] ، وقال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ، وهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضلالهم ودمارهم ، كما أن سيئ المزاج لو غذي بما غذي به لا يزيده إلا خبالا ونقصا .
هذه الآية نزلت في شأن المنافقين ، والضمير في قوله { فمنهم } عائد على المنافقين ، وقوله تعالى { أيكم زادته هذه إيماناً } يحتمل أن يكون لمنافقين مثلهم ، ويحتمل أن يكون لقوم من قراباتهم من المؤمنين يستنيمون إليهم{[5982]} ويثقون بسترهم عليهم ، ويطعمون في ردهم إلى النفاق ، ومعنى { أيكم زادته هذه إيماناً } الاستخفاف والتحقير لشأن السورة كما تقول : أي غريب في هذا أو أي دليل ، ثم ابتدأ عز وجل الرد عليهم والحكم بما يهدم لبسهم فأخبر أن المؤمنين الموقنين قد «زادتهم إيماناً » وأنهم { يستبشرون } من ألفاظها ومعانيها برحمة الله ورضوانه ، والزيادة في الإيمان موضع تخبط للناس وتطويل ، وتلخيص القول فيه أن الإيمان الذي هو نفس التصديق ليس مما يقبل الزيادة والنقص في نفسه ، وإنما تقع الزيادة في المصدق به ، فإذا نزلت سورة من الله تعالى حدث للمؤمنين بها تصديق خاص لم يكن قبل ، فتصديقهم بما تضمنته السورة من إخبار وأمر ونهي أمر زائد على الذي كان عندهم قبل ، فهذا وجه من زيادة الإيمان ، ووجه آخر أن السورة ربما تضمنت دليلاً أو تنبيهاً عليه فيكون المؤمن قد عرف الله بعدة أدلة ، فإذا نزلت السورة زادت في أدلته ، وهذه أيضاً جهة أخرى من الزيادة ، وكلها خارجة عن نفس التصديق إذا حصل تاماً ، فإنه ليس يبقى فيه موضع زيادة ، ووجه آخر من وجوه الزيادة أن الرجل ربما عارضه شك يسير أو لاحت له شبهة مشغبة فإذا نزلت السورة ارتفعت تلك الشبهة واستراح منها ، فهذا أيضاً زيادة في الإيمان إذ يرتقي اعتقاده عن مرتبة معارضة تلك الشبهة إلى الخلوص منها ، وأما على قول من يسمي الطاعات إيماناً وذلك مجاز عند أهل السنة فتترتب الزيادة بالسورة إذ تتضمن أوامر ونواهي وأحكاماً ، وهذا حكم من يتعلم العلم في معنى زيادة الإيمان ونقصانه إلى يوم القيامة ، فإن تعلم الإنسان العلم بمنزلة نزول سورة القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.