البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَٰذِهِۦٓ إِيمَٰنٗاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (124)

{ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } : قال ابن عباس : نزلت هذه والثانية في المنافقين ، كانوا إذا نزلت سورة فيها عيب المنافقين خطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض بهم في خطبته ، فينظر بعضهم إلى بعض يريدون الهرب ويقولون : هل يراكم من أحد إن قمتم ؟ فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد .

ولما استطرد من سفر الغزو وتأنيب المتخلفين عن الرسول إلى سفر التفقه في الدين ، ثم أمر بقتال من يلي من الكفار والغلظة عليهم ، عاد إلى ذكر مخازي المنافقين إذ هم الذين نزل معظم السورة فيهم .

وكان في الآية قبلها إشارة إلى الغلظة على الكفار وهم منهم ، وقولهم : أيكم زادته هذه إيماناً ، يحتمل أن يكون خطاب بعض المنافقين لبعض على سبيل الإنكار والاستهزاء بالمؤمنين ، ويحتمل أن يقولوا : ذلك لقراباتهم المؤمنين يستقيمون إليهم ويطمعون في ردهم إلى النفاق .

ومعنى قولهم ذلك : هو على سبيل التحقير للسورة والاستخفاف بها ، كما تقول : أي غريب في هذا وأي دليل في هذا ، وفي الفتيان قيل : هو قول المؤمنين للبحث والتنبيه .

وقرأ الجمهور : رأيكم بالرفع .

وقرأ زيد بن علي ، وعبيد بن عمير : أيكم بالنصب على الاشتغال ، والنصب فيه عند الأخفش أفصح كهو بعد أداة الاستفهام نحو : أزيداً ضربته .

والتقسيم يقتضي أنّ الخطاب من أولئك المنافقين المستهزئين عام للمنافقين والمؤمنين ، وزيادة الإيمان عبارة عن حدوث تصديق خاص لم يكن قبل نزول السورة من قصص وتجديد حكم من الله تعالى ، أو عبارة عن تنبيه على دليل تضمنته السورة ويكون قد حصلت له معرفة الله بأدلة ، فنبهته هذه السورة على دليل راد في أدلته ، أو عبارة عن إزالة شك يسير ، أو شبهة عارضة غير مستحكمة ، فيزول ذلك الشك وترتفع الشبهة بتلك السورة .

وأما على قول من يسمي الطاعة إيماناً ، وذلك مجاز عند أهل السنة ، فتترتب الزيادة بالسورة إذ يتضمن أحكاماً .

وقال الربيع : فزادتهم إيماناً أي خشية أطلق اسم الشيء على بعض ثمراته .

وقال الزمخشري : فزادتهم إيماناً لأنها أزيد للمتقين على الثبات ، وأثلج للصدور .

أو فزادتهم عملاً ، فإن زيادة العمل زيادة في الإيمان ، لأن الإيمان يقع على الاعتقاد والعمل انتهى .

وهي نزعة اعتزالية ، وهم يستبشرون بما تضمنته من رحمة الله ورضوانه .