قوله تعالى : { وتقلبك في الساجدين } يعني : يرى تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك . قال عكرمة وعطية عن ابن عباس : في الساجدين أي : في المصلين . وقال مقاتل والكلبي : أي مع المصلين في الجماعة ، يقول : يراك حين تقوم وحدك للصلاة ويراك إذا صليت مع المصلين في الجماعة . وقال مجاهد : يرى تقلب بصرك في المصلين ، فإنه كان يبصر من خلفه كما يبصر من أمامه .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هل ترون قبلتي ها هنا ، فوالله ما يخفي علي خشوعكم ولا ركوعكم ، إني لأراكم من وراء ظهري " . وقال الحسن : { وتقلبك في الساجدين } أي : تصرفك وذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين . وقال سعيد بن جبير : يعني وتصرفك في أحوالك ، كما كانت الأنبياء من قبلك . والساجدون : هم الأنبياء . وقال عطاء عن ابن عباس : أراد تقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة .
ثم يتوجه به [ صلى الله عليه وسلم ] إلى ربه ، يصله به صلة الرعاية الدائمة القريبة :
( وتوكل على العزيز الرحيم . الذي يراك حين تقوم . وتقلبك في الساجدين . إنه هو السميع العليم ) .
دعهم وعصيانهم ، متبرئا من أعمالهم ، وتوجه إلى ربك معتمدا عليه ، مستعينا في أمرك كله به . ويصفه - سبحانه - بالصفتين المكررتين في هذه السورة : العزة والرحمة . ثم يشعر قلب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بالأنس والقربى . فربه يراه في قيامه وحده للصلاة ، ويراه في صفوف الجماعة الساجدة . يراه في وحدته ويراه في جماعة المصلين يتعهدهم وينظمهم ويؤمهم ويتنقل بينهم . يرى حركاته وسكناته ، ويسمع خطراته ودعواته : ( إنه هو السميع العليم ) . .
وفي التعبير على هذا النحو إيناس بالرعاية والقرب والملاحظة والعناية . وهكذا كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يشعر أنه في كنف ربه ، وفي جواره وقربه . وفي جو هذا الأنس العلوي كان يعيش . .
وقوله : { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } : قال قتادة : { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } قال : في الصلاة ، يراك وحدك ويراك في الجَمْع . وهذا قول عكرمة ، وعطاء الخراساني ، والحسن البصري .
وقال مجاهد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى مَنْ خلفه كما يرى مَنْ أمامه ؛ ويشهد لهذا ما صح في الحديث : " سَوّوا صفوفكم ؛ فإني أراكم من وراء ظهري " {[21913]} .
وروى البزار وابن أبي حاتم ، من طريقين ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي ، حتى أخرجه نبيا .
{ وتقلبك في الساجدين } وترددك في تصفح أحوال المجتهدين كما روي أنه عليه السلام لما نسخ قيام فرض الليل طاف عليه السلام تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم ، فوجدها كبيوت الزنانير لما سمع بها من دندنتهم بذكر الله وتلاوة القرآن . أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أممتهم ، وإنما وصفه الله تعالى بعلمه بحاله التي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بأن من شأنه قهر أعدائه ونصر أوليائه تحقيقا للتوكل وتطمينا لقلبه عليه .
وقوله { في الساجدين } قيل يريد أهل الصلاة أي صلاتك مع المصلين ، قاله ابن عباس وعكرمة . وغيرهما ، وقال أيضاً مجاهد يريد تقلبك أي تقليبك عينك وأبصارك الساجدين حين تراهم من وراء ظهرك{[1]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى أجنبي هنا ، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة أراد تقلبك في المؤمنين فعبر عنهم ب { الساجدين } ، وقال ابن جبير أراد الأنبياء أي تقلبك كما تقلب غيرك من الأنبياء{[2]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.