مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّـٰجِدِينَ} (219)

ثم أتبع كونه رحيما على رسوله ما هو كالسبب لتلك الرحمة ، وهو قيامه وتقلبه في الساجدين وفيه وجوه :

أحدها : المراد ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المجتهدين ليطلع على أسرارهم ، كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون لحرصه على ما يوجد منهم من الطاعات ، فوجدها كبيوت الزنابير لما يسمع منها من دندنتهم ، بذكر الله تعالى والمراد بالساجدين المصلين .

وثانيها : المعنى يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذ كان إماما لهم .

وثالثها : أنه لا يخفى عليه حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين .

ورابعها : المراد تقلب بصره فيمن يصلي خلفه من قوله صلى الله عليه وسلم : «أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلفي » .

واعلم أنه قرئ { ونقلبك } . واعلم أن الرافضة ذهبوا إلى أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين وتمسكوا في ذلك بهذه الآية وبالخبر ، أما هذه الآية فقالوا قوله تعالى : { وتقلبك في الساجدين } يحتمل الوجوه التي ذكرتم ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى نقل روحه من ساجد إلى ساجد كما نقوله نحن ، وإذا احتمل كل هذه الوجوه وجب حمل الآية على الكل ضرورة أنه لا منافاة ولا رجحان ، وأما الخبر فقوله عليه السلام : «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات » وكل من كان كافرا فهو نجس لقوله تعالى : { إنما المشركون نجس } قالوا : فإن تمسكتم على فساد هذا المذهب بقوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } قلنا الجواب عنه أن لفظ الأب قد يطلق على العم كما قال أبناء يعقوب له : { نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } فسموا إسماعيل أبا له مع أنه كان عما له ، وقال عليه السلام : «ردوا على أبي » يعني العباس ، ويحتمل أيضا أن يكون متخذا لأصنام أب أمه فإن هذا قد يقال له الأب قال تعالى : { ومن ذريته داود وسليمان } إلى قوله : { وعيسى } فجعل عيسى من ذرية إبراهيم مع أن إبراهيم كان جده من قبل الأم .

واعلم أنا نتمسك بقوله تعالى : { لأبيه آزر } وما ذكروه صرف للفظ عن ظاهره ، وأما حمل قوله : { وتقلبك في الساجدين } على جميع الوجوه فغير جائز لما بينا أن حمل المشترك على كل معانيه غير جائز ، وأما الحديث فهو خبر واحد فلا يعارض القرآن .