الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّـٰجِدِينَ} (219)

ثم اتبع كونه رحيماً على رسوله ما هو من أسباب الرحمة : وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد ، وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ؛ ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون ، ويستبطن سر أمرهم ، وكيف يعبدون الله ، وكيف يعملون لآخرتهم ، كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل ، طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون لحرصه عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطاعات وتكثير الحسنات ، فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع منها من دندنتهم بذكر الله والتلاوة .

والمراد بالساجدين : المصلون . وقيل : معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة . وتقلبه في الساجدين : تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمّهم . وعن مقاتل : أنه سأل أبا حنيفة رحمه الله ، هل تجد الصلاة في الجماعة في القرآن ؟ فقال : لا يحضرني ، فتلا له هذه الآية .

ويحتمل أنه : لا يخفى عليه حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين { إِنَّهُ هُوَ السميع } لما تقوله : { العليم } بما تنويه وتعمله . وقيل : هو تقلب بصره فيمن يصلي خلفه ، من قوله صلى الله عليه وسلم : " أتَموا الركوعَ والسجودَ ، فواللَّهِ إني لأَراكُم منْ خلفِ ظهرِي إذا ركعتُم وسجدْتُم " ، وقرىء : «ويقلبك » .