البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّـٰجِدِينَ} (219)

وقرأ الجمهور : { وتقلبك } مصدر تقلب ، وعطف على الكاف في { يراك } .

وقرأ جناح بن حبيش : { وتقلبك } مضارع قلب مشدداً ، عطفاً على { يراك } .

وقال مجاهد وقتادة : { في الساجدين } : في المصلين .

وقال ابن عباس : في أصلاب آدم ونوح وإبراهيم حتى خرجت .

وقال عكرمة : يراك قائماً وساجداً .

وقيل : معنى { تقوم } : تخلو بنفسك .

وعن مجاهد أيضاً : المراد تقلب بصره فيمن يصلي خلفه ، كما قال :

« أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلفي » وفي الوجيز لابن عطية : ظاهر الآية أنه يريد قيام الصلاة ، ويحتمل أن يريد سائر التصرفات ، وهو تأويل مجاهد وقتادة .

وفي الساجدين : أي صلاتك مع المصلين ، قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما .

وقال ابن عباس أيضاً ، وقتادة : أراد وتقلبك في المؤمنين ، فعبر عنهم بالساجدين .

وقال ابن جبير : أراد الأنبياء ، أي تقلبك كما تقلب غيرك من الأنبياء .

وقال الزمخشري : ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد ، وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون ، ويستبطن سرائرهم وكيف يعملون لآخرتهم .

كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل ، طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون ، بحرصه عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطاعات وتكثير الحسنات ، فوجدها كبيوت الزنابير ، لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتلاوة .

والمراد بالساجدين : المصلون .

وقيل : معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة ، وتقلبه في الساجدين : تصرفه فيما بينهم لقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم .

وعن مقاتل ، أنه سأل أبا حنيفة رضي الله عنه : هل تجد الصلاة في الجماعة في القرآن ؟ فتلا هذه الآية .

ويحتمل أن لا يخفى على حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين . انتهى .