معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} (84)

قوله تعالى : { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } أي : ثناء حسناً ، وذكراً جميلاً ، وقبولاً عاماً في الأمم التي تجيء بعدي ، فأعطاه الله ذلك ، فجعل كل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه . قال القتيبي : وضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} (84)

69

( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) . . دعوة تدفعه إليها الرغبة في الامتداد ، لا بالنسب ولكن بالعقيدة ؛ فهو يطلب إلى ربه أن يجعل له فيمن يأتون أخيرا لسان صدق يدعوهم إلى الحق ، ويردهم إلى الحنيفية السمحاء دين إبراهيم . ولعلها هي دعوته في موضع آخر . إذ يرفع قواعد البيت الحرام هو وابنه إسماعيل ثم يقول : ربنا واجعلنا مسلمين لك . ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ، وأرنا مناسكنا ، وتب علينا ، إنك أنت التواب الرحيم . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، ويزكيهم ، إنك أنت العزيز الحكيم . . وقد استجاب الله له ، وحقق دعوته ، وجعل له لسان صدق في الآخرين ، وبعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم . . وكانت الاستجابة بعد آلاف من السنين . هي في عرف الناس أمد طويل ، وهي عند الله أجل معلوم ، تقتضي حكمته أن تتحقق الدعوة المستجابة فيه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} (84)

وقوله : { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ } أي : واجعل لي ذكرًا جميلا بعدي أذكرَ به ، ويقتدى بي في الخير ، كما قال تعالى : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ . سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [ الصافات : 108 - 110 ] .

قال مجاهد ، وقتادة : { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ } يعني : الثناء الحسن . قال مجاهد : وهو كقوله تعالى : { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } [ العنكبوت : 27 ] ، وكقوله : { وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } [ النحل : 122 ] .

قال ليث بن أبي سليم : كل ملة تحبه وتتولاه . وكذا قال عكرمة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} (84)

القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ * وَاجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن مسألة خليله إبراهيم إياه رَبّ هَبْ لي حُكْما يقول : ربّ هب لي نبوّة وألْحِقْنِي بالصّالِحِينَ يقول : واجعلني رسولاً إلى خلقك ، حتى تلحقني بذلك بِعداد من أرسلته من رسلك إلى خلقك ، واتمنته على وحيك ، واصطفيته لنفسك . وقوله : وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ يقول : واجعل لي في الناس ذكرا جميلاً ، وثناء حسنا ، باقيا فيمن يجيء من القرون بعدي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن عكرمة ، قوله وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ ، قوله وآتَيْناهُ أجْرَهُ فِي الدّنْيا . قال : إن الله فضله بالخُلّة حين اتخذه خليلاً ، فسأل الله فقال : وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ حتى لا تكذّبني الأمم ، فأعطاه الله ذلك ، فإن اليهود آمنت بموسى ، وكفرت بعيسى ، وإن النصارى آمنت بعيسى ، وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكلهم يتولى إبراهيم قالت اليهود : هو خليل الله وهو منا ، فقطع الله ولايتهم منه بعد ما أقرّوا له بالنبوّة وآمنوا به ، فقال : ما كانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلا نَصْرَانِيّا ، وَلَكِنْ كانَ حَنِيفا مُسْلِمَا وَما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ ، ثم ألحق ولايته بكم فقال : إنّ أوْلَى النّاسِ بإبْرَاهيمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ ، وَهَذَا النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا وَالله وَلِيّ المُؤْمِنِينَ فهذا أجره الذي عجل له ، وهي الحسنة ، إذ يقول : وآتَيْناهُ في الدّنْيا حَسَنَةً وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ قال : اللسان الصّدْق : الذكْر الصدق ، والثناء الصالح ، والذكر الصالح في الاَخرين من الناس ، من الأمم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ} (84)

واللسان مراد به الكلام من إطلاق اسم الآلة على ما يتقوم بها . واللام في قوله : { لي } تقتضي أن الذكر الحسن لأجله فهو ذكره بخير . وإضافة { لسان } إلى { صدق } من إضافة الموصوف إلى الصفة ، ففيه مبالغة الوصف بالمصدر ، أي لساناً صادقاً .

والصدق هنا كناية عن المحبوب المرغوب فيه لأنه يرغب في تحققه ووقوعه في نفس الأمر . وسأل أن يكون من المستحقين الجنة خالداً فاستعير اسم الورثة إلى أهل الاستحقاق لأن الوارث ينتقل إليه ملك الشيء الموروث بمجرد موت المالك السابق . ولما لم يكن للجنة مالكون تعين أن يكون الوارثون المستحقين من وقت تبَوُّؤ أهل الجنة الجنة ، قال تعالى : { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } [ المؤمنون : 10 ، 11 ] .