معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ} (98)

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ} (98)

93

بعد هذا البيان يلقن الرسول [ ص ] أن يتجه إلى أهل الكتاب بالتنديد والتهديد ، على موقفهم من الحق الذي يعلمونه ، ثم يصدون عنه ، ويكفرون بآيات الله . وهم شهداء على صحتها ، وهم من صدقها على يقين :

( قل : يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ، والله شهيد على ما تعملون ؟ قل : يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء ؟ وما الله بغافل عما تعملون ) . .

وقد تكرر مثل هذا التنديد في هذه السورة ، وفي سور غيرها كثيرة . وأول ما يتركه هذا التنديد من أثر هو مجابهته أهل الكتاب بحقيقة موقفهم ، ووصفهم بصفتهم ، التي يدارونها بمظهر الإيمان والتدين ، بينما هم في حقيقتهم كفار . فهم يكفرون بآيات الله القرآنية . ومن يكفر بشيء من كتاب الله فقد كفر بالكتاب كله . ولو أنهم آمنوا بالنصيب الذي معهم لآمنوا بكل رسول جاء من عند الله بعد رسولهم . فحقيقة الدين واحدة . من عرفها عرف أن كل ما يجيء به الرسل من بعد حق ، وأوجب على نفسه الإسلام لله على أيديهم . . وهي حقيقة من شأنها أن تهزهم وأن تخوفهم عاقبة ما هم فيه .

ثم إن المخدوعين من الجماعة المسلمة بكون هؤلاء الناس أهل كتاب ، يسقط هذا الخداع عنهم ، وهم يرون الله - سبحانه - يعلن حقيقة أهل الكتاب هؤلاء ، ويدمغهم بالكفر الكامل الصريح . فلا تبقى بعد هذا ريبة لمستريب .

وهو - سبحانه - يهددهم بما يخلع القلوب :

( والله شهيد على ما تعملون ) . . ( وما الله بغافل عما تعملون ) . .

وهو تهديد رعيب ، حين يحس إنسان أن الله يشهد عمله . وأنه ليس بغافل عنه . بينما عمله هو الكفر والخداع والإفساد والتضليل !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ} (98)

هذا تعنيف من الله تعالى لكَفَرة أهل الكتاب ، على عنادهم للحق ، وكفرهم بآيات الله ، وصَدِّهم عن سبيله مَنْ أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم{[5412]} مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله ، بما عندهم من العلم عن الأنبياء الأقدمين ، والسادة المرسلين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وما بَشَّروا به ونوَّهُوا ، من ذِكْر النبي [ صلى الله عليه وسلم ]{[5413]} الأميّ الهاشمي العربي المكّيّ ، سيد ولد آدم ، وخاتم الأنبياء ، ورسول رب الأرض والسماء . وقد توعدهم [ الله ]{[5414]} تعالى على ذلك بأنه شهيد على صَنِيعهم ذلك بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء ، ومقاتلتهم{[5415]} الرسول المُبشر بالتكذيب والجحود والعناد ، وأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون ، أي : وسيجزيهم على ذلك يوم لا ينفعهم مال ولا بنون .


[5412]:في جـ، أ: "طاعتهم".
[5413]:زيادة من أ.
[5414]:زيادة من أ.
[5415]:في جـ، ر، أ، و: "ومقابلتهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ} (98)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ }

يعني بذلك : يا معشر يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر من ينتحل الديانة بما أنزل الله عزّ وجلّ من كتبه ، ممن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وجحد نبوّته¹ لم تجحدون بآيات الله ؟ يقول : لم تجحدون حجج الله التي آتاها محمدا في كتبكم وغيرها ، التي قد ثبتت عليكم بصدقه ونبوّته وحُجّته . «وأنتم تعلمون » ، يقول : لم تجحدون ذلك من أمره ، وأنتم تعلمون صدقه . فأخبر جلّ ثناؤه عنهم أنهم معتمدون الكفر بالله وبرسوله ، على علم منهم ومعرفة من كفرهم . وقد :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { يا أهْلِ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرونَ بآياتِ اللّهِ } أما آيات الله : فمحمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : { يا أهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآياتِ اللّهِ واللّهُ شَهِيدٌ على ما تَعْمَلُونَ } قال : هم اليهود والنصارى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ} (98)

ابتداء كرم رُجع به إلى مجادلة أهل الكتاب وموعظتهم فهو مرتبط بقوله تعالى : { قل صدق اللَّه } الآية .

أمر الرّسول عليه الصلاة والسّلام بالصدع بالإنكار على أهل الكتاب . بعد أن مهّد بين يدي ذلك دلائل صحَّة هذا الدّين ولذلك افتتح بفعل { قل } اهتماماً بالمقول ، وافتتح المقولُ بنداء أهل الكتاب تسجيلاً عليهم . والمراد بآيات الله : إمّا القرآن ، وإمّا دلائل صدق الرّسول صلى الله عليه وسلم والكفر على هذين الوجهين بمعناه الشَّرعي واضح ، وإمَّا آيات فضيلة المسجد الحرام على غيره ، والكُفر على هذا الوجه بمعناه اللُّغوي والاستفهام إنكار .

وجملة { والله شهيد على ما تعملون } في موضع الحال لأنّ أهل الكتاب يوقنون بعموم علم الله تعالى ، وأنّه لا يخفى عليه شيء فجحدهم لآياته مع ذلك اليقين أشدّ إنكاراً ، ولذلك لم يصحّ جعل { والله شهيد } مُجرّد خبر إلاّ إذا نُزّلوا منزلة الجاهل .