اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ} (98)

في كيفية النظم وجهان :

الأول : أنه - تعالى - لما أوْرَد الدلائلَ على نبوَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم ، مما ورد في التوراة ، والإنجيل ، عقَّب ذلك بشبهات القوم من إنكار النَّسْخ ، واستقبال الكعبة في الصلاة ، ووجوب حَجِّها ، وأجاب عن هاتين الشُّبْهَتَيْن بقوله { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ } [ آل عمران : 93 ] وبقوله : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } [ آل عمران : 96 ] فلما تَمَّ الاستدلال خاطبهم - بعد ذلك - بالكلام اللَّيِّن ، وقال : { لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } بعد ظهور البينات ؟

الثاني : أنه - تعالى - لما بيَّن فضائلَ الكعبة ووجوبَ الحَجِّ - والقوم كانوا عالمين بأن هذا هو الدين الحق - قال لهم : { لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } بعد أن علمتم كونها حَقًّا صحيحةً ؟

واعلم : أن المُبْطل قد يكون ضَالاً مضلاًّ فقط ، وقد يكون ضالاً مضلاً ، والقوم كانوا موصوفين بالأمرين جميعاً ، فبدأ - تعالى - بالإنكار على أهل الصفة الأولَى - على سبيل الرفق - فقال : { يأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } ؟

قال الحسن : هم العلماء من أهل الكتاب ، الذين علموا صحة نبوته ؛ لقوله : " وأنتم شهداء " .

وقال آخرون : المراد : أهل الكتاب كلهم .

فإن قيل : لماذا خَصَّ أهْل الكتاب دون سائر الكفار ؟

فالجواب من وجهين :

الأول : أنا بَيَّنَّا أنه - تعالى - أورد الدليلَ عليهم من التوراة والإنجيل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم أجاب عن شُبْهتهم في ذلك ، فلمَّا تمَّ ذلك خاطبهم ، فقال : " يا أهل الكتاب " .

والثاني : أن معرفتهم بآيات الله أقْوَى ؛ لتقدُّم اعترافهم بالتوحيد ، وأصل النبوة ، ولمعرفتهم بما في كُتُبِهم من الشهادة بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، والبشارة بنبوته .

والمراد بآيات الله : الآيات التي نصبها الله - تعالى - على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد بكُفْرهم بها كفرهم بدلالتها على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

فصل

قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أن الكُفْرَ من قِبَلِهِم - حتى يَصِحْ هذا التوبيخُ ، ولذلك لا يصح توبيخهم على طولهم ، وصِحَّتِهم ، ومَرَضِهم .

وأجيبوا بالمعارضة بالعلم والداعي .

قوله : { وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } الواو للحال ، والمعنى : لِمَ تكفرون بآيات الله التي دلَّتكم على صحة صدق محمد ، والحال أن الله شهيد على أعمالكم ، ومجازيكم عليها ؟