الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعۡمَلُونَ} (98)

وقوله عزَّ وجلَّ : { قُلْ يا أهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بآيات الله والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ }[ آل عمران :98 ] .

هذه الآياتُ : توبيخٌ لليهود المعاصرِينَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، والكتابُ : التوراةُ ، وآياتُ اللَّه يحتملُ أنْ يريدَ بها القُرآن ، ويحتملُ العلاماتِ الظاهرةَ على يَدَيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله سبحانه : { والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } وعيدٌ محضٌ ، قال الطبريُّ : هاتان الآيتانِ : { قُلْ يا أهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بآيات الله } ، وما بعدهما إلى قوله : { فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 105 ] ، نزلَتْ بسبب رَجْلٍ من اليهودِ ، حاول الإغراء بَيْن الأوس والخَزْرَج ، قال ابنُ إسْحَاق : حدَّثني الثِّقَةُ عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَم ، قال : مَرَّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ اليَهُودِيُّ ، وكان شَيْخاً قَدْ عَسَا فِي الجَاهِلِيَّةِ ، عَظِيمَ الكُفْر ، شَدِيدَ الضِّغْن على المُسْلمين ، والحَسَدِ لهم ، على نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ ، وَهُمْ في مَجْلِسٍ يتحدَّثُونَ ، فغَاظَهُ مَا رآه مِنْ جماعَتِهِمْ ، وصَلاَحِ ذات بَيْنِهِمْ ، بَعْدَ مَا كَانَ بينَهُمْ مِنَ العَدَاوَةِ ، فَقَالَ : قَدِ اجتمع مَلأ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ البِلاَدِ ، واللَّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ ، إذَا اجتمع مَلأُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ ، فَأَمَر فَتًى شَابًّا مِنْ يَهُودَ ، فَقَالَ : اعمد إلَيْهِمْ ، واجلس مَعَهُمْ ، وَذَكِّرْهُمْ يَوْمَ بُعَاثَ ، وَمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَيَّامِ حَرْبِهِمْ ، وَأَنْشِدْهُمْ مَا قَالُوهُ مِنَ الشِّعْرِ فِي ذَلِكَ ، فَفَعَلَ الفتى ، فَتَكَلَّمَ القَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ ، فَتَفَاخَرُوا ، وَتَنَازَعُوا حتى تَوَاثَبَ رَجُلاَنِ مِنَ الحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكَبِ ، أوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ مِنَ الأَوْسِ ، وَجَبَّارُ بْنُ صَخْر مِنَ الخَزْرَجِ ، فَتَقَاوَلاَ ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : إنْ شِئْتُمْ ، وَاللَّهِ رَدَدْنَاهَا الآنَ جَذَعَةً ، فَغَضِبَ الفَرِيقَانِ ، وَقَالُوا : قَدْ فَعَلْنَا ، السِّلاَحَ ، السِّلاَح ، مَوْعِدُكُمُ الظَّاهِرَةُ ، يُرِيدُونَ : الحَرَّةَ ، فَخَرَجُوا إلَيْهَا ، وَتَجَاوَزَ النَّاسُ على دَعْوَاهُمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ ، وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ ، فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ المُهَاجرِينَ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ ، اللَّه اللَّه ، أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ وَوَعَظَهُمْ ، فَعَرَفَ القَوْمُ ، أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَأَلْقُوا السِّلاَحَ ، وَبَكَوْا ، وَعَانَقَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً مِنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ ، وانصرفوا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سَامِعِينَ مُطِيعِينَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَاسِ بْنِ قيسٍ ، وما صَنَعَ هذه الآيات .

وقال الحَسَنُ ، وغيره : نزلَتْ في أحْبَار اليَهُود الَّذِينَ يَصُدُّون المُسْلِمِينَ عَنِ الإسلام ، ويَقُولُون : إن محمَّداً ليس بالموصُوفِ في كتابنا .

قال ( ع ) : ولا شَكَّ في وقوعِ هَذيْن الشيئَيْن ، وما شاكَلَهما مِنْ أفعال اليهودِ وأقوالِهِمْ ، فَنَزَلَتِ الآياتُ في جميعِ ذلك ، ومعنى ( تَبْغُونَ ) أي : تطلبون لها الاعوجاجَ والانفسادَ ، ( وأنْتُمْ شُهَدَاءُ ) : يريدُ جَمْعَ شاهِدٍ ، على ما في التوراةِ مِنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وصِدْقِهِ ، وباقِي الآية وعيدٌ .