( فانظر كيف كان عاقبة مكرهم . أنا دمرناهم وقومهم أجمعين . فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) . .
ومن لمحة إلى لمحة إذا التدمير والهلاك ، وإذا الدور الخاوية والبيوت الخالية . وقد كانوا منذ لحظة واحدة ، في الآية السابقة من السورة ، يدبرون ويمكرون ، ويحسبون أنهم قادرون على تحقيق ما يمكرون !
وهذه السرعة في عرض هذه الصفحة بعد هذه مقصودة في السياق . لتظهر المباغتة الحاسمة القاضية . مباغتة القدرة التي لا تغلب للمخدوعين بقوتهم ؛ ومباغتة التدبير الذي لا يخيب للماكرين المستعزين بمكرهم .
( إن في ذلك لآية لقوم يعلمون ) . . والعلم هو الذي عليه التركيز في السورة وتعقيباتها على القصص والأحداث
وقوله : { قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } أي : تحالفوا وتبايعوا على قتل نبي الله صالح ، عليه السلام ، من لقيه ليلا غيلة . فكادهم الله ، وجعل الدائرة عليهم .
قال مجاهد : تقاسموا وتحالفوا{[22084]} على هلاكه ، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين .
وقال قتادة : توافقوا على أن يأخذوه ليلا فيقتلوه ، وذكر لنا أنهم بينما هم مَعَانيق إلى صالح ليفتكوا به ، إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : هم الذين عقروا الناقة ، قالوا حين عقروها : نُبَيِّت صالحا [ وأهله ]{[22085]} وقومه فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح : ما شهدنا من هذا شيئا ، وما لنا به من علم . فدمرهم الله أجمعين .
وقال محمد بن إسحاق : قال هؤلاء التسعة بعدما عقروا الناقة : هَلُم فلنقتل صالحًا ، فإن كان صادقًا عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذبًا كنا قد ألحقناه بناقته ! فأتوه ليلا ليبيِّتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلما أبطؤوا على أصحابهم ، أتوا مَنزل صالح ، فوجدوهم منشدخين قد رضخوا بالحجارة ، فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ، ثم هموا به ، فقامت عشيرته دونه ، ولبسوا السلاح ، وقالوا لهم : والله لا تقتلونه أبدًا ، وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث ، فإن كان صادقًا فلا تزيدوا ربكم عليكم غضبًا ، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون . فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : لما عقروا الناقة وقال لهم صالح : { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] ، قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة أيام ، فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلاث . وكان لصالح مسجد في الحجْر عند شعب هناك يصلي فيه ، فخرجوا إلى كهف ، أي : غار هناك ليلا فقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه{[22086]} ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ، ففرغنا منهم . فبعث الله صخرة من الهضَب حيالهم ، فخشوا أن تشدخهم فتبادروا{[22087]} فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار ، فلا يدري قومهم أين هم ، ولا يدرون ما فعل بقومهم . فعذب الله هؤلاء هاهنا ، وهؤلاء هاهنا ، وأنجى الله صالحًا ومن معه ، ثم قرأ : { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } أي : فارغة ليس فيها أحد { بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوَاْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنجَيْنَا الّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتّقُونَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً فتلك مساكنهم خاوية خالية منهم ، ليس فيها منهم أحد ، قد أهلكهم الله فأبادهم بما ظلموا : يقول تعالى ذكره : بظلمهم أنفسهم ، بشركهم بالله ، وتكذيبهم رسولهم إنّ فِي ذلكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : إن في فعلنا بثمود ما قصصنا عليك يا محمد من القصة ، لعظةً لمن يعلم فعلنا بهم ما فعلنا ، من قومك الذين يكذّبونك فيما جئتهم به من عند ربك وعبرة . وأنجَيْنا الّذِينَ آمَنُوا يقول : وأنجينا من نقمتنا وعذابنا الذي أحللناه بثمود رسولنا صالحا والمؤمنين به وكانُوا يَتّقُونَ يقول : وكانوا يتقون بإيمانهم ، وبتصديقهم صالحا الذي حلّ بقومهم من ثمود ما حلّ بهم من عذاب الله ، فكذلك ننجيك يا محمد وأتباعك ، عند إحلالنا عقوبتنا بمشركي قومك من بين أظهرهم .
وذُكر أن صالحا لما أحلّ الله بقومه ما أحلّ ، خرج هو والمؤمنون به إلى الشام ، فنزل رملة فلسطين .
«إخواء البيوت » وخرابها مما أخبر الله تعالى به في كل الشرائع أنه مما يعاقب به الظلمة وفي التوراة . ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك ، و { خاوية } نصب على الحال التي فيها الفائدة ، ومعناها خالية قفراً{[9040]} ، قال الزجاج وقرئت «خاويةُ » بالرفع وذلك على الابتداء المضمر أي «هي خاوية » ، أو على الخبر عن تلك ، و { بيوتهم } بدل أو على خبر ثان ، وهذه البيوت المشار إليها هي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين » الحديث{[9041]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.