كان كما يصفه ذلك الوصف الخاطف الرعيب :
( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر . تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) . . والريح الصرصر : الباردة العنيفة . وجرس اللفظ يصور نوع الريح . والنحس : الشؤم . وأي نحس يصيب قوما أشد مما أصاب عاد . والريح تنزعهم وتجذبهم وتحطمهم . فتدعهم كأنهم أعجاز نخل مهشمة مقلوعة من قعورها ? !
والمشهد مفزع مخيف ، وعاصف عنيف . والريح التي أرسلت على عاد " هي من جند الله " وهي قوة من قوى هذا الكون ، من خلق الله ، تسير وفق الناموس الكوني الذي اختاره ؛ وهو يسلطها على من يشاء ، بينما هي ماضية في طريقها مع ذلك الناموس ، بلا تعارض بين خط سيرها الكوني ، وأدائها لما تؤمر به وفق مشيئة الله . صاحب الأمر وصاحب الناموس :
وقوله : إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا صَرْصَرا يقول تعالى ذكره : إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحا صرصرا ، وهي الشديدة العصوف في برد ، التي لصوتها صرير ، وهي مأخوذة من شدة صوت هبوبها إذا سمع فيها كهيئة قول القائل : صرّ ، فقيل منه : صرصر ، كما قيل : فكبكبوا فيها ، من فكبوا ، ونَهْنَهْت من نَهَهْتُ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : رِيحا صَرْصَرا قال : ريحا باردة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا صَرْصَرا والصّرصر : الباردة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : الصّرصر : الباردة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا مُعاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : رِيحا صَرْصَرا باردة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان رِيحا صَرْصَرا قال : شديدة ، والصرصر : الباردة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : رِيحا صَرْصَرا قال : الصرصر : الشديدة .
وقوله : فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرَ يقول : في يوم شرّ وشؤم لهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : النّحْس : الشؤم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فِي يَوْمِ نَحْسٍ قال النحس : الشرّ فِي يَوْمِ نَحْسٍ فِي يوم شرّ .
وقد تأوّل ذلك آخرون بمعنى شديد ، ومن تأوّل ذلك كذلك فإنه يجعله من صفة اليوم ، ومن جعله من صفة اليوم ، فإنه ينبغي أن يكون قراءته بتنوين اليوم ، وكسر الحاء من النّحْس ، فيكون «فِي يَوْمٍ نَحِسٍ » كما قال جلّ ثناؤه فِي أيّامٍ نَحِساتٍ ولا أعلم أحدا قرأ ذلك كذلك في هذا الموضع ، غير أن الرواية التي ذكرت في تأويل ذلك عمن ذكرت عنه على ما وصفنا تدلّ على أن ذلك كان قراءة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فِي يَوْمِ نَحْسٍ قال : أيام شداد .
وحُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فِي يَوْمِ نَحْسٍ يوم شديد .
وقوله : مُسْتَمِرَ يقول : في يوم شرّ وشؤم ، استمرّ بهم البلاء والعذاب فيه إلى أن وافى بهم جهنم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرَ يستمرّ بهم إلى نار جهنم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عن عذابهم، فقال: {إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا} يعني باردة شديدة {في يوم نحس} يعني شديد {مستمر} يقول: استمرت عليهم الريح لا تفتر عنهم سبع ليال، وثمانية أيام حسوما دائمة.
قال الشافعي: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: « اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» قال: قال ابن عباس: في كتاب الله عز وجل: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحا صَرْصَرا "يقول تعالى ذكره: إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحا صرصرا، وهي الشديدة العصوف في برد، التي لصوتها صرير، وهي مأخوذة من شدة صوت هبوبها إذا سمع فيها كهيئة قول القائل: صرّ، فقيل منه: صرصر...
وقوله: "فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرَ" يقول: في يوم شرّ وشؤم لهم... عن ابن عباس، قوله: "فِي يَوْمِ نَحْسٍ" قال: أيام شداد...
وقوله: "مُسْتَمِر" يقول: في يوم شرّ وشؤم، استمرّ بهم البلاء والعذاب فيه إلى أن وافى بهم جهنم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{في يومٍ نَحْسٍ مستمرّ} إذ استمر بهم العذاب كما قال الله تعالى: {سبع ليال وثمانية أيام حُسوما} [الحاقة: 7] وقيل: {مستمرّ} أي ذاهب على الصغير والكبير، فلم يبق منهم أحد إلا أهلكته...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{مُسْتَمِرٍّ} عليهم نحسه ودماره، لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و {مستمر}: صفة {نحس}، أي نحس دائم عليهم، فعُلِم من الاستمرار أنه أبادهم إذ لو نجوا لما كان النحس مستمراً. وليس {مستمر} صفة ل {يوم} إذ لا معنى لوصفه بالاستمرار.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.