قوله تعالى : { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } وهو جبيب النجار ، وقال السدي : كان قصاراً . وقال وهب : كان رجلاً يعمل الحرير ، وكان سقيماً قد أسرع فيه الجذام ، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة ، وكان مؤمناً ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين ، فيطعم نصفاً لعياله ويتصدق بنصف ، فلما بلغه أن قومه قد قصدوا قتل الرسل جاءهم . { قال يا قوم اتبعوا المرسلين* }
تلك كانت الاستجابة من القلوب المغلقة على دعوة الرسل . وهي مثل للقلوب التي تحدثت عنها السورة في الجولة الأولى ؛ وصورة واقعية لذلك النموذج البشري المرسوم هناك .
فأما النموذج الآخر الذي اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ، فكان له مسلك آخر وكانت له استجابة غير هذه الاستجابة :
وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ؛ قال : يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون . ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ? أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون ? إني إذاً لفي ضلال مبين . إني آمنت بربكم فاسمعون . .
إنها استجابة الفطرة السليمة لدعوة الحق المستقيمة . فيها الصدق . والبساطة . والحرارة . واستقامة الإدراك . وتلبية الإيقاع القوي للحق المبين .
فهذا رجل سمع الدعوة فاستجاب لها بعد ما رأى فيها من دلائل الحق والمنطق ما يتحدث عنه في مقالته لقومه . وحينما استشعر قلبه حقيقة الإيمان تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها سكوتاً ؛ ولم يقبع في داره بعقيدته وهو يرى الضلال من حوله والجحود والفجور ؛ ولكنه سعى بالحق الذي استقر في ضميره وتحرك في شعوره . سعى به إلى قومه وهم يكذبون ويجحدون ويتوعدون ويهددون . وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق ، وفي كفهم عن البغي ، وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين .
وظاهر أن الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان . ولم يكن في عزوة من قومه أو منعة من عشيرته . ولكنها العقيدة الحية في ضميره تدفعه وتجيء به من أقصى المدينة إلى أقصاها . .
( قال : يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون ) . .
قال ابن إسحاق - فيما بلغه عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه - : إن أهل القرية هَمّوا بقتل رسلهم فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى ، أي : لينصرهم من قومه - قالوا : وهو حبيب ، وكان يعمل الجرير - وهو{[24708]} الحبال - وكان رجلا سقيما {[24709]} قد أسرع فيه الجذام ، وكان كثير الصدقة ، يتصدق بنصف كسبه ، مستقيم النظرة . {[24710]}
وقال ابن إسحاق عن رجل سماه ، عن الحكم ، عن مِقْسَم - أو : عن مجاهد - عن ابن عباس قال : [ كان ]{[24711]} اسم صاحب يس حبيب ، وكان الجذام قد أسرع فيه .
وقال الثوري ، عن عاصم الأحول ، عن أبي مجْلَز : كان اسمه حبيب بن مري .
وقال شبيب بن بشر ، {[24712]} عن عِكْرِمَة ، عن ابن عباس [ أيضا ]{[24713]} قال : اسم صاحب يس حبيب النجار ، فقتله قومه .
وقال السدي : كان قَصَّارا . وقال عمر بن الحكم : كان إسكافا . وقال قتادة : كان يتعبد في غار هناك .
{ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } : يحض قومه على اتباع الرسل الذين أتوهم ،
وقوله : وَجاءَ مِنْ أقْصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى يقول : وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إليهم هذه الرسل رجل يسعى إليهم وذلك أن أهل المدينة هذه عزموا ، واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء الرسل الثلاثة فيما ذُكِر ، فبلغ ذلك هذا الرجل ، وكان منزله أقصَى المدينة ، وكان مؤمنا ، وكان اسمه فيما ذُكر «حبيب بن مري » . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار . ذكر الأخبار الواردة بذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن أبي مُجَلّز ، قال : كان صاحب يس «حبيب بن مري » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : كان من حديث صاحب يس فيما حدثنا محمد بن إسحاق فيما بلغه ، عن ابن عباس ، وعن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه اليمانيّ أنه كان رجلاً من أهل أنطاكية ، وكان اسمه «حبيبا » ، وكان يعمل الجَرير ، وكان رجلاً سقيما ، قد أسرع فيه الجُذام ، وكان منزله عند باب من أبوب المدينة قاصيا ، وكان مؤمنا ذا صدقة ، يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون ، فيقسمه نصفين ، فيطعم نصفا عياله ، ويتصدّق بنصف ، فلم يُهِمّه سقمه ولا عمله ولا ضعفه ، عن عمل ربه ، قال : فلما أجمع قومه على قتل الرسل ، بلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الأقصى ، فجاء يسعى إليهم يذكرهم بالله ، ويدعوهم إلى اتباع المرسلين ، فقال : يا قَوْمِ اتّبِعُوا المُرْسَلِينَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن عمرو بن حزم أنه حُدّث عن كعب الأحبار قال : ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم أخو بني مازن بن النجار الذي كان مسيلمة الكذّاب قطعه باليمامة حين جعل يسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقول : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ فيقول : نعم ، ثم يقول : أتشهد أني رسول الله ؟ فيقول له : لا أسمع ، فيقول مسيلمة : أتسمع هذا ، ولا تسمع هذا ؟ فيقول : نعم ، فجعل يقطعه عُضْوا عضوا ، كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه . قال كعب حين قيل له اسمه حبيب : وكان والله صاحب يس اسمه حبيب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مِقْسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول : كان اسم صاحب يس حبيبا ، وكان الجُذام قد أسرع فيه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَجاءَ مِنْ أقْصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قال : ذُكر لنا أن اسمه حبيب ، وكان في غار يعبد ربه ، فلما سمع بهم أقبل إليهم .
وقوله : قالَ يا قَوْمِ اتّبِعُوا المُرْسَلِينَ يقول تعالى ذكره : قال الرجل الذي جاء من أقصى المدينة لقومه : يا قوم اتبعوا المرسلين الذين أرسلهم الله إليكم ، واقبلوا منهم ما أتوكم به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.