التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (20)

بين - سبحانه - بعد ذلك ما دار بين أهل القرية ، وبين رجل صالح منهم ساءه أن يرى من قومه تنكرهم لرسل الله - تعالى - وتطاولهم عليهم ، وتهديدهم لهم بالرجم : فقال - تعالى - :

{ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ . . } . معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة ، والتقدير :

وانتشر خبر الرسل بين أصحاب القرية ، وعلم الناس بتهديد بعضهم لهم { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة } أى : رجل ذو قطرة سليمة ، يسرع الخطا لينصح قومه ، وينهاهم عن إيذاء السرل ويأمرهم باتباعهم .

قالوا : وهذا الرجل كان اسمه حبيب النجار ، لأنه كان يشتغل بالنجارة .

وقد أكثر بعض المفسرين هنا من ذكر صناعته وحاله قبل مجيئه ، ونحن نرى أنه لا حاجة إلى ذلك ، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه فيما ذكروه عنه .

ويكفيه فخرا هذا الثناء من الله - تعالى - عليه بصرف النظر عن اسمه أو صنعته أو حاله ، لأن المقصود من هذه القصة وأمثالها فى القرآن الكريم هو الاعتبار والافتداء بأهل الخير .

وعبر هنا بالمدينة بعد التعبير عنها فى أول القصة بالقرية للإِشارة إلى سعتها وإلى أن خبر هؤلاء الرسل قد انتشر فيها من أولها إلى آخرها .

والتعبير بقوله : { يسعى } : يدل على صفاء نفسه ، وسلامه قلبه ، وعلو همته ، ومضاء عزيمته ، حيث أسرع بالحضور إلى الرسل وإلى قومه ، ليعلن أمام الجميع كلمة الحق ، ولم يرتض أن يقبع فى بيته - كما يفعل الكثيرون - بل هرول نحو قومه ، ليقوم بواجبه فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

وقوله - تعالى - : { قَالَ ياقوم اتبعوا المرسلين } بيان لما بدأ ينصح قومه به بعد وصوله إليهم .

أى : { قال } لقومه على سبيل الإِرشاد والنصح { ياقوم اتبعوا المرسلين } الذين جاءوا لهدايتكم إلى الصراط المستقيم ، ولإِنقاذكم من الضلال المبين الذى انغمستم فيه .