قوله : { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى } في تعلقه بما قبله وجهان :
أحدهما : أنه بيان لكونهم أتوا بالبلاغ المبين حيث أمن بهم الرجل الساعي . وعلى هذا فقوله : «مِنْ أَقْصَى المَدِينَة » فيه بلاغة باهرة لأنه لما جاء من أقصى المدينة رجل و ( هو ) قد آمن دل على ( أن ){[45890]} إنذارهم وإبلاغهم بلغ إلى أقصى المدينة .
والثاني : أن ضرب المثل لما كان لتسلية قلب{[45891]} محمد - عليه ( الصلاة و ) السلام- ذكر بعد الفراغ من ذكر الرسل سعي المؤمنين في تصديق أنبيائهم ، وصبرهم{[45892]} على ما أوذوا ، ووصول الجزاء{[45893]} الأوفر إليهم ليكون ذلك تسليةً لقلب أصحاب محمد - عليه الصلاة والسلام-{[45894]} .
قوله : { رجل يسعى } في تنكير «الرجل » مع أنه كان معروفاً معلوماً عند الله فائدتان :
الأولى : أن يكون تعظيماً ( لشأنه ){[45895]} أي رجل كامل في الرجولية .
الثانية : أن يكون مفيداً ليظهر من جانب المرسلين أمر رجل من الرجال لا معرفة لهم به ، فلا يقال : إنهم تواطئوا . والرجل هو حبيب النَّجار كان ينحت الأصنام . وقال السدي : كان قصاراً . وقال وهب : كان يعمل الحرير وكان سقيماً قد أسرع فيه الجُذَامُ . وكان منزله عند أقصى باب المدينة{[45896]} وكان مؤمناً آمن بمحمدٍ- صلى الله عليه وسلم -{[45897]} قبل وجوده حين صار من العلماء بكتاب{[45898]} الله ، ورأى فيه نعت{[45899]} محمد وبعثته وقوله : «يسعى » تبصيرٌ للمسلمين وهداية لهم ليبذلوا جَهْدَهم في النُّصْحِ .
قوله : { قَالَ يا قوم اتبعوا المرسلين } تقدم الكلام في فائدة قوله : «يا قوم »{[45900]} عند قوله موسى : { يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] .
فإن قيل : هذا مثل مؤمن آل فرعون { وَقَالَ الذي آمَنَ يا قوم اتبعون } [ غافر : 38 ]وهنا قال : «اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ » فما الفرق ؟ .
فالجواب : هذا الرجل جاءهم وفي أول مجيئه نصحهم ولم يعلموا سيرته فقال اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السَّبِيلَ وأما مؤمن آل فرعون فكان فيهم ونصحهم مراراً فقال : «اتَّبِعُونِي في الإيمان بمُوسى وهَارُونَ - عليهما ( الصلاة و ) السلام - واعلموا أنه لو لم يكن خيراً لما اخترته لنفسي وأنتم تعلمون أني اخترته » ولم يكن للرجل الذي جاء من أقصى المدينة أن يقول : أنتم تعلمون اتّباعي لهم . واعلم أنه جمع بين إظهار النصيحة وإظهار إيمانه فقوله{[45890]} : «اتبعوا » نصيحة{[45891]} وقوله : «المرسلين » إظهار إيمانه وقدم إظهار النصيحة على إظهار الإيمان لأنه كان ساعياً في النصيحة وأما الإيمان فكان قد آمن من قبل وقوله : «يسعى » على إرادته النصح{[45892]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.