اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (20)

قوله : { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى } في تعلقه بما قبله وجهان :

أحدهما : أنه بيان لكونهم أتوا بالبلاغ المبين حيث أمن بهم الرجل الساعي . وعلى هذا فقوله : «مِنْ أَقْصَى المَدِينَة » فيه بلاغة باهرة لأنه لما جاء من أقصى المدينة رجل و ( هو ) قد آمن دل على ( أن ){[45890]} إنذارهم وإبلاغهم بلغ إلى أقصى المدينة .

والثاني : أن ضرب المثل لما كان لتسلية قلب{[45891]} محمد - عليه ( الصلاة و ) السلام- ذكر بعد الفراغ من ذكر الرسل سعي المؤمنين في تصديق أنبيائهم ، وصبرهم{[45892]} على ما أوذوا ، ووصول الجزاء{[45893]} الأوفر إليهم ليكون ذلك تسليةً لقلب أصحاب محمد - عليه الصلاة والسلام-{[45894]} .

قوله : { رجل يسعى } في تنكير «الرجل » مع أنه كان معروفاً معلوماً عند الله فائدتان :

الأولى : أن يكون تعظيماً ( لشأنه ){[45895]} أي رجل كامل في الرجولية .

الثانية : أن يكون مفيداً ليظهر من جانب المرسلين أمر رجل من الرجال لا معرفة لهم به ، فلا يقال : إنهم تواطئوا . والرجل هو حبيب النَّجار كان ينحت الأصنام . وقال السدي : كان قصاراً . وقال وهب : كان يعمل الحرير وكان سقيماً قد أسرع فيه الجُذَامُ . وكان منزله عند أقصى باب المدينة{[45896]} وكان مؤمناً آمن بمحمدٍ- صلى الله عليه وسلم -{[45897]} قبل وجوده حين صار من العلماء بكتاب{[45898]} الله ، ورأى فيه نعت{[45899]} محمد وبعثته وقوله : «يسعى » تبصيرٌ للمسلمين وهداية لهم ليبذلوا جَهْدَهم في النُّصْحِ .

قوله : { قَالَ يا قوم اتبعوا المرسلين } تقدم الكلام في فائدة قوله : «يا قوم »{[45900]} عند قوله موسى : { يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] .

فإن قيل : هذا مثل مؤمن آل فرعون { وَقَالَ الذي آمَنَ يا قوم اتبعون } [ غافر : 38 ]وهنا قال : «اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ » فما الفرق ؟ .

فالجواب : هذا الرجل جاءهم وفي أول مجيئه نصحهم ولم يعلموا سيرته فقال اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السَّبِيلَ وأما مؤمن آل فرعون فكان فيهم ونصحهم مراراً فقال : «اتَّبِعُونِي في الإيمان بمُوسى وهَارُونَ - عليهما ( الصلاة و ) السلام - واعلموا أنه لو لم يكن خيراً لما اخترته لنفسي وأنتم تعلمون أني اخترته » ولم يكن للرجل الذي جاء من أقصى المدينة أن يقول : أنتم تعلمون اتّباعي لهم . واعلم أنه جمع بين إظهار النصيحة وإظهار إيمانه فقوله{[45890]} : «اتبعوا » نصيحة{[45891]} وقوله : «المرسلين » إظهار إيمانه وقدم إظهار النصيحة على إظهار الإيمان لأنه كان ساعياً في النصيحة وأما الإيمان فكان قد آمن من قبل وقوله : «يسعى » على إرادته النصح{[45892]} .


[45890]:ما بين الأقواس زيادة من "أ" وسقوط من "ب".
[45891]:في "ب" ملة بدل قلب.
[45892]:في "ب" وصبروا.
[45893]:في "ب" الخبر دون الجزاء وهو تحريف.
[45894]:في "ب" صلى الله عليه وسلم.
[45895]:سقطت من "ب".
[45896]:في "ب" في المدينة.
[45897]:في "ب" عليه الصلاة والسلام.
[45898]:في "ب" لكتاب الله باللام.
[45899]:في "ب" قلب بدل نعت.
[45900]:قال هناك في الفائدة بقوله: "يا قوم" أنه ينبىء عن إشفاق عليهم وشفقة فإن إضافتهم إلى نفسه بقوله: "يا قوم" يفيد أنه لا يريد بهم إلا خيرا. وانظر اللباب 1/60 "ب".