معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

{ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين* وقال الذي نجا } من القتل ، { منهما } ، من الفتيين وهو الساقي ، { وأدكر } ، أي : تذكر قول يوسف { اذكرني عند ربك } ، { بعد أمة } ، بعد حين وهو سبع سنين . { أنا أنبئكم بتأويله } ، وذلك أن الغلام جثا بين يدي الملك ، وقال : إن في السجن رجلا يعبر الرؤيا ، { فأرسلون } وفيه اختصار تقديره : فأرسلني أيها الملك إليه ، فأرسله فأتى السجن قال ابن عباس : ولم يكن السجن في المدينة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

{ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا } أي : من الفتيين ، وهو : الذي رأى أنه يعصر خمرا ، وهو الذي أوصاه يوسف أن يذكره عند ربه { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } أي : وتذكر يوسف ، وما جرى له في تعبيره لرؤياهما ، وما وصاه به ، وعلم أنه كفيل بتعبير هذه الرؤيا بعد مدة من السنين فقال : { أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } إلى يوسف لأسأله عنها .

فأرسلوه ، فجاء إليه ، ولم يعنفه يوسف على نسيانه ، بل استمع ما يسأله عنه ، وأجابه عن ذلك فقال : { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

هذه الرؤيا من مَلك مصر مما قَدّر الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوسفَ ، عليه السلام ، من السجن مُعزَّزًا مكرما ، وذلك أن المَلك رأى هذه الرؤيا ، فهالته وتَعجَّب من أمرها ، وما يكون تفسيرها ، فجمع الكهنة والحُزَاة وكبراء دولته وأمراءه وقَصَّ عليهم ما رأى ، وسألهم عن تأويلها ، فلم يعرفوا ذلك ، واعتذروا إليه بأن هذه { أَضْغَاثُ أَحْلامٍ } أي : أخلاط اقتضت رؤياك هذه{[15192]} { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعَالِمِينَ } أي : ولو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط ، لما كان لنا معرفة بتأويلها ، وهو تعبيرها . فعند ذلك تَذَكَّرَ ذلك الذي نجا من ذينك الفتيين اللذين{[15193]} كانا في السجن مع يوسف ، وكان الشيطان قد أنساه ما وصّاه به يوسف ، من ذكر أمره للملك ، فعند ذلك تذكر { بَعْدَ أُمَّةٍ } أي : مدة - وقرأ بعضهم : " بعد أَمِةٍ " أي : بعد نسيان ، فقال للملك والذين جمعهم لذلك : { أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } أي : بتأويل هذا المنام ، { فَأَرْسِلُونِ } أي : فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن . ومعنى الكلام : فبعثوا{[15194]} فجاء . فقال : { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا } وذكر المنام الذي رآه الملك ، فعند ذلك ذكر له يوسف ، عليه السلام ، تعبيرها من غير تعنيف لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به ، ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك ، بل قال : { تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا } أي{[15195]} يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات ، ففسر البقر بالسنين ؛ لأنها تثير الأرض التي تُسْتغل منها الثمرات والزروع ، وهن السنبلات الخضر ، ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال : { فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ } أي : مهما استغللتم{[15196]} في هذه السبع السنين الخصب فاخزنوه في سنبله ، ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه ، إلا المقدار الذي تأكلونه ، وليكن قليلا قليلا لا تسرفوا فيه ، لتنتفعوا في السبع الشداد ، وهن السبع السنين المُحْل التي تعقب هذه السبع متواليات ، وهن البقرات العجاف اللاتي يأكلن السِّمان ؛ لأن سني{[15197]} الجَدْب يؤكل فيها ما جَمَعَوه في سني{[15198]} الخصب ، وهن السنبلات اليابسات .

وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئا ، وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء ؛ ولهذا قال : { يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ }

ثم بشرهم بعد الجَدْب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك { عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ } أي : يأتيهم الغيث ، وهو المَطرُ ، وتُغل البلاد ، ويَعصرُ الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم ، من زيت ونحوه ، وسكر ونحوه حتى قال بعضهم : يدخل{[15199]} فيه حلب اللبن أيضًا .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } يحلبون .


[15192]:- في ت ، أ : "رؤيا في هذا".
[15193]:- في ت : "الذي".
[15194]:- في ت : "فبعثوه".
[15195]:- في ت : "إذ".
[15196]:- في ت ، أ : "استغليتم".
[15197]:- في ت ، أ : "سنين".
[15198]:- في ت ، أ : "سنين".
[15199]:- في ت ، أ : "ويدخل".

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

ولما سمع الساقي - الذي نجا - هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه ، تذكر يوسف وعلمه بتأويل الأحلام والرؤى ، فقال مقالته في هذه الآية .

و { ادكر } أصله ادتكر - افتعل - من الذكر ، قلبت التاء دالاً وأدغم الأول في الثاني ، ثم بدلت دالاً غير منقوطة لقوة الدال وجلدها ، وبعض العرب يقول : اذكر ؛ وقرىء { فهل من مذكر }{[9]} بالنقط و { من مدكر } [ القمر : 15 ، 17 ، 22 ، 32 ، 40 ، 51 ] على اللغتين ؛ وقرأ جمهور الناس : «بعد أمة »{[10]} وهي المدة من الدهر ، وقرأ ابن عباس وجماعة «بعد أمة » وهو النسيان ، وقرأ مجاهد وشبل بن عزرة{[11]} «بعد أمه » بسكون الميم وهو مصدر من أمه إذا نسي ، وقرأ الأشهب العقيلي «بعد إمة » بكسر الهمزة ، والإمة : النعمة والمعنى : بعد نعمة أنعمها الله على يوسف في تقريب إطلاقه وعزته . وبقوله : { ادكر } يقوي قول من يقول : إن الضمير في { أنسانيه } [ الكهف : 63 ] عائد على الساقي ، والأمر محتمل .

وقرأ الجمهور : «أنا أنبئكم » وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «أنا آتيكم » ، وكذلك في مصحف أبي بن كعب .

وقوله : { فأرسلون } استئذان في المضي ، فقيل : كان السجن في غير مدينة الملك - قاله ابن عباس - وقيل : كان فيها{[6706]} .

قال القاضي أبو محمد : ويرسم الناس اليوم سجن يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال .


[9]:- من الناس من يذهب إلى أن هذا من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، قال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام وأسلم. وحديث : (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) رواه الإمام مالك في الموطأ، والبخاري، والترمذي، وروى الترمذي عن أنس وابن عباس قالا: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن). ومن الناس من يؤول ذلك باعتبار المعاني التي تشتمل عليها، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذين القولين، ويشير بذلك إلى أنه لا تفاضل بين كلام الله لأنه صفة ذاتية، وإنما التفاضل في المعاني باعتبار الأجر والثواب. والله أعلم.
[10]:- رواه الإمام أحمد، والحاكم، عن أبي سعيد، وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فمن قال: سبحان الله كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر مثل ذلك. ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة) ومن تمام الحديث كما في الجامع الصغير: (وحط عنه ثلاثون خطيئة).
[11]:- في بعض النسخ (رفْع) بالراء.
[6706]:وفي الكلام حذف بعد [فأرسلون]، والتقدير: "فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال"، والصديق: بناء مبالغة مثل: السكير، والشريب، وكان الساقي قد صحب يوسف زمانا وخبره وعرف صدقه في غير ما أمر، كتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

{ ادّكر } بالدال المهملة أصله : اذتكر ، وهو افتعال من الذكر ، قلبت تاء الافتعال دالاً لثقلها ولتقارب مخرجيهما ثم قلبت الذال ليتأتّى ادغامها في الدال لأن الدال أخف من الذال . وهذا أفصح الإبدال في ادّكر . وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { فهل من مدّكر } [ سورة القمر : 15 ] كما في الصحيح .

ومعنى { بعد أمة } بعد زمن مضى على نسيانه وصاية يوسف عليه السّلام . والأمة : أطلقت هنا على المدة الطويلة ، وأصل إطلاق الأمة على المدة الطويلة هو أنها زمن ينقرض في مثله جيل ، والجيل يسمى أمة ، كما في قوله تعالى : { كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس } [ سورة آل عمران : 110 ] على قول من حمله على الصحابة .

وإطلاقه في هذه الآية مبالغة في زمن نسيان الساقي . وفي التوراة كانت مدة نسيانه سنتين .

وضمائر جمع المخاطب في أنبئكم } { فأرسلون } مخاطب بها الملك على وجه التعظيم كقوله تعالى : { قال رب ارجعون } [ سورة المؤمنون : 99 ] .

ولم يسمّ لهم المرسل إليه لأنه أراد أن يفاجئهم بخبر يوسف عليه السّلام بعد حصول تعبيره ليكون أوقع ، إذ ليس مثله مظنة أن يكون بين المساجين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فلما سمع الساقي رؤيا الملك، ذكر تصديق عبارة يوسف، عليه السلام، في نفسه وفي الخباز، فذلك قوله: {وقال الذي نجا منهما} من القتل {وادكر بعد أمة}، يعني: وذكر بعد حين: {أنا أنبئكم بتأويله}، يعني: بتعبيره، {فأرسلون}، إلى يوسف.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وقال الذي نجا من القتل من صاحبي السجن اللذين استعبرا يوسف الرؤيا "وادّكَرَ "يقول: وتذكر ما كان نسي من أمر يوسف، وذكر حاجته للملِك التي كان سأله عند تعبيره رؤياه أن يذكرها له بقوله: "اذْكُرنِي عِنْدَ رَبّكَ"، "بَعدَ أُمّةٍ" يعني بعد حين...

وهذا التأويل على قراءة من قرأ: بَعْدَ أُمّةٍ بضمّ الألف وتشديد الميم، وهي قراءة القرّاء في أمصار الإسلام.

وقد رُوى عن جماعة من المتقدّمين أنهم قرأوا ذلك: «بَعْدَ أُمَةٍ» بفتح الألف وتخفيف الميم وفتحها بمعنى: بعد نسيان. وذكر بضهم أن العرب تقول من ذلك: أَمِهَ الرّجلُ يأمَهُ أمَها: إذا نسي...

وقد ذكر فيها قراءة ثالثة... قرأ مجاهد: «وَادّكَرَ بَعْدَ أُمْه» مجزومة الميم مخففة.

وكأن قارىء ذلك كذلك أراد به المصدر من قولهم: أمِهَ يأْمَهُ أمْها، وتأويل هذه القراءة، نظير تأويل من فتح الألف والميم.

وقوله: "أنا أُنَبّئُكُمْ بتَأْوِيلِهِ" يقول: أنا أخبركم بتأويله. "فَأرْسِلُونَ" يقول: فأطلقوني أمضي لآتيكم بتأويله من عند العالِم به. وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره استغناء بما ظهر عما ترك وذلك: فأرسلوه فأتى يوسف، فقال له: يا يوسف يا أيها الصديق... إن الملك قد رأى كذا وكذا، فقصّ عليه الرؤيا، فقال فيها يوسف ما ذكر الله تعالى لنا في الكتاب فجاءهم مثْلَ فَلَق الصبح تأويلها...

وقيل: إن الذي نجا منهما إنما قال: أرسلوني لأن السجن لم يكن في المدينة... قوله: "أفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُن سَبُعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ" فإن معناه: أفتنا في سبع بقرات سِمان رُئِينَ في المنام يأكلهن سبع منها عجاف، وفي سبع سنبلات خضر رئين أيضا، وسبع أخر منهنّ يابسات. فأما السمان من البقر: فإنها السنون المخصبة... وأما السبع العِجاف: فسنون مجدبة لا تنبت شيئا...

قوله: "وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابساتٍ" أما الخضر: فهنّ السنون المخاصيب، وأما اليابسات: فهنّ الجُدُوب المحول. والعجاف: جمع عجف، وهي المهازيل.

وقوله: "لَعَلّي أرْجِعُ إلى النّاسِ لَعلّهُمْ يَعْلَمُونَ" يقول: كي أرجع إلى الناس فأخبرهم، "لَعَلّهُمْ يَعْلَمُونَ" يقول: ليعلموا تأويل ما سألتك عنه من الرؤيا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

... النجاة: التخلص من الهلاك. والادكار: طلب الذكر، ومثله التذكر والاستذكار...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لمَّا كان المعلوم لله والمحكومُ أن يوسفَ عليه السلام يكون في ذلك الوقت هو مَنْ يُعَبِّر الرؤيا، قَبَضَ القلوبَ حتى خَفِيَ عليها تعبيرُ تلك الرؤيا، ولم يحصل للمَلِكِ ثَلَجُ الصَّدْرِ إلا بتعبير يوسف، ليُعْلَم أنَّ اللَّهَ -سبحانه- إذا أراد أمراً سَهلَّ أسبابَه. ويقال: إن الله تعالى أفْرَد يوسف عليه السلام من بين أشكاله بشيئين: بحُسْن الخِلْقة وبزيادة العلم؛ فكان جمالُه سببَ بلائه، وصار علمُه سببَ نجاته، لتُعْلَمَ مزيَّةُ العلمِ على غيره، لهذا قيل: العلم يُعْطِي وإن كان يُبْطِي. ويقال إذا كان العلم بالرؤيا يوجب الدنيا فالعلمُ بالمولى أَوْلَى أن يوجِبَ العقبى، قال تعالى: {وَإذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكَاً كَبِيرَاً} [الإنسان:20].

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الملك لما سأل الملأ عن الرؤيا واعترف الحاضرون بالعجز عن الجواب قال الشرابي إن في الحبس رجلا فاضلا صالحا كثير العلم كثير الطاعة قصصت أنا والخباز عليه منامين فذكر تأويلهما فصدق في الكل، وما أخطأ في حرف فإن أذنت مضيت إليه وجئتك بالجواب. فهذا هو قوله: {وقال الذي نجا منهما}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان هذا حالاً مذكراً للساقي بيوسف عليه الصلاة والسلام -أخبر سبحانه بأنه ذكره بعد نسيانه، فقال عادلاً عن الفاء إيذاناً بأنه من الملا: {وقال الذي نجا} أي خلص من الهلاك {منهما} أي من صاحبي السجن، وهو الساقي {و} الحال أنه {ادكر}- بالمهملة، أي طلب الذكر -بالمعجمة، وزنه افتعل {بعد أمة} من الأزمان، أي أزمان مجتمعة طويلة {أنا أنبئكم} أي أخبركم إخباراً عظيماً {بتأويله} أي بتفسير ما يؤول إليه معنى هذا الحلم وحده كما هو الحق، وسبب عن كلامه قوله: {فأرسلون} أي إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فإنه أعلم الناس، فأرسلوه إليه.