الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فلما سمع الساقي رؤيا الملك، ذكر تصديق عبارة يوسف، عليه السلام، في نفسه وفي الخباز، فذلك قوله: {وقال الذي نجا منهما} من القتل {وادكر بعد أمة}، يعني: وذكر بعد حين: {أنا أنبئكم بتأويله}، يعني: بتعبيره، {فأرسلون}، إلى يوسف.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وقال الذي نجا من القتل من صاحبي السجن اللذين استعبرا يوسف الرؤيا "وادّكَرَ "يقول: وتذكر ما كان نسي من أمر يوسف، وذكر حاجته للملِك التي كان سأله عند تعبيره رؤياه أن يذكرها له بقوله: "اذْكُرنِي عِنْدَ رَبّكَ"، "بَعدَ أُمّةٍ" يعني بعد حين...

وهذا التأويل على قراءة من قرأ: بَعْدَ أُمّةٍ بضمّ الألف وتشديد الميم، وهي قراءة القرّاء في أمصار الإسلام.

وقد رُوى عن جماعة من المتقدّمين أنهم قرأوا ذلك: «بَعْدَ أُمَةٍ» بفتح الألف وتخفيف الميم وفتحها بمعنى: بعد نسيان. وذكر بضهم أن العرب تقول من ذلك: أَمِهَ الرّجلُ يأمَهُ أمَها: إذا نسي...

وقد ذكر فيها قراءة ثالثة... قرأ مجاهد: «وَادّكَرَ بَعْدَ أُمْه» مجزومة الميم مخففة.

وكأن قارىء ذلك كذلك أراد به المصدر من قولهم: أمِهَ يأْمَهُ أمْها، وتأويل هذه القراءة، نظير تأويل من فتح الألف والميم.

وقوله: "أنا أُنَبّئُكُمْ بتَأْوِيلِهِ" يقول: أنا أخبركم بتأويله. "فَأرْسِلُونَ" يقول: فأطلقوني أمضي لآتيكم بتأويله من عند العالِم به. وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره استغناء بما ظهر عما ترك وذلك: فأرسلوه فأتى يوسف، فقال له: يا يوسف يا أيها الصديق... إن الملك قد رأى كذا وكذا، فقصّ عليه الرؤيا، فقال فيها يوسف ما ذكر الله تعالى لنا في الكتاب فجاءهم مثْلَ فَلَق الصبح تأويلها...

وقيل: إن الذي نجا منهما إنما قال: أرسلوني لأن السجن لم يكن في المدينة... قوله: "أفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُن سَبُعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ" فإن معناه: أفتنا في سبع بقرات سِمان رُئِينَ في المنام يأكلهن سبع منها عجاف، وفي سبع سنبلات خضر رئين أيضا، وسبع أخر منهنّ يابسات. فأما السمان من البقر: فإنها السنون المخصبة... وأما السبع العِجاف: فسنون مجدبة لا تنبت شيئا...

قوله: "وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابساتٍ" أما الخضر: فهنّ السنون المخاصيب، وأما اليابسات: فهنّ الجُدُوب المحول. والعجاف: جمع عجف، وهي المهازيل.

وقوله: "لَعَلّي أرْجِعُ إلى النّاسِ لَعلّهُمْ يَعْلَمُونَ" يقول: كي أرجع إلى الناس فأخبرهم، "لَعَلّهُمْ يَعْلَمُونَ" يقول: ليعلموا تأويل ما سألتك عنه من الرؤيا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

... النجاة: التخلص من الهلاك. والادكار: طلب الذكر، ومثله التذكر والاستذكار...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لمَّا كان المعلوم لله والمحكومُ أن يوسفَ عليه السلام يكون في ذلك الوقت هو مَنْ يُعَبِّر الرؤيا، قَبَضَ القلوبَ حتى خَفِيَ عليها تعبيرُ تلك الرؤيا، ولم يحصل للمَلِكِ ثَلَجُ الصَّدْرِ إلا بتعبير يوسف، ليُعْلَم أنَّ اللَّهَ -سبحانه- إذا أراد أمراً سَهلَّ أسبابَه. ويقال: إن الله تعالى أفْرَد يوسف عليه السلام من بين أشكاله بشيئين: بحُسْن الخِلْقة وبزيادة العلم؛ فكان جمالُه سببَ بلائه، وصار علمُه سببَ نجاته، لتُعْلَمَ مزيَّةُ العلمِ على غيره، لهذا قيل: العلم يُعْطِي وإن كان يُبْطِي. ويقال إذا كان العلم بالرؤيا يوجب الدنيا فالعلمُ بالمولى أَوْلَى أن يوجِبَ العقبى، قال تعالى: {وَإذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكَاً كَبِيرَاً} [الإنسان:20].

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الملك لما سأل الملأ عن الرؤيا واعترف الحاضرون بالعجز عن الجواب قال الشرابي إن في الحبس رجلا فاضلا صالحا كثير العلم كثير الطاعة قصصت أنا والخباز عليه منامين فذكر تأويلهما فصدق في الكل، وما أخطأ في حرف فإن أذنت مضيت إليه وجئتك بالجواب. فهذا هو قوله: {وقال الذي نجا منهما}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان هذا حالاً مذكراً للساقي بيوسف عليه الصلاة والسلام -أخبر سبحانه بأنه ذكره بعد نسيانه، فقال عادلاً عن الفاء إيذاناً بأنه من الملا: {وقال الذي نجا} أي خلص من الهلاك {منهما} أي من صاحبي السجن، وهو الساقي {و} الحال أنه {ادكر}- بالمهملة، أي طلب الذكر -بالمعجمة، وزنه افتعل {بعد أمة} من الأزمان، أي أزمان مجتمعة طويلة {أنا أنبئكم} أي أخبركم إخباراً عظيماً {بتأويله} أي بتفسير ما يؤول إليه معنى هذا الحلم وحده كما هو الحق، وسبب عن كلامه قوله: {فأرسلون} أي إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فإنه أعلم الناس، فأرسلوه إليه.