بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ} (45)

قوله تعالى : { وَقَالَ الذى نَجَا مِنْهُمَا } وهو الساقي { وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ } يعني : تذكر بعد حين . يعني : بعد سبع سنين . وقال الزجاج : أصل { ادكر } اذكر . ولكن التاء أبدلت بالدال وأدغم الذال في الدال . وقال القتبي : الأمة الصنف من الناس ، والجماعة كقوله تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم مَّا فَرَّطْنَا فِى الكتاب مِن شَىْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] ثم تستعمل الأمة في الأشياء المختلفة . يقال للإمام : أمة كقوله : { إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قانتا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين } [ النحل : 120 ] لأنه سبب للاجتماع . ويسمى الدين أمة كقوله : { بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على ءاثارهم مُّهْتَدُونَ } [ الزخرف : 22 ] أي : على دين ، لأن القوم يجتمعون على دين واحد ، فيقام ذلك اللفظ مقامه . ويسمى الحين أمة كقوله : { وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ } وكقوله : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } [ هود : 8 ] وإنما سمي الحين أمة أيضاً ، لأن الأمة من الناس ينقرضون في حين ، فيقام الأمة مقام الحين وقرأ بعضهم { وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ } يعني : بَعْدَ بعُدَ نسيانٍ يقال : أمَهْتُ أي : نسيت . وقال الفراء : يقال رجل مأموه ، كأنه ليس معه عقل فلما تذكر الساقي حال يوسف ، جاء وجثا بين يدي الملك ، وقال : { أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } يعني : بتأويل ما رأيت من الرؤيا . وروي عن الحسن : أنه كان يقرأ : { أَنَاْ ءاتِيكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } ، وقراءة العامة { أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ } فقال : وما يدريك يا غلام ، ولست بمعبّر ، ولا كاهن ؟ فقصَّ عليه أمره الذي كان وقت كونه في السجن برؤيته ، وتعبير يوسف لها ، وصدق تعبيره على نحو ما وصفه له . وأخبره بحال يوسف وحكمته ، وعلمه ، وفهمه ، { فَأَرْسِلُونِ } يعني : أرسلوني أيها الملك إلى { يوسف } . خاطبه بلفظ الجماعة ، كما يخاطب الملوك . فأرسله الملك .